الإسلام يعني الاستسلام والخضوع والانقياد المطلق لله عز وجل ، فالمسلم الحقيقي هو من أسلم وجهه وأمره كله لله رب العالمين ، غير أن قضية التسليم المطلق في حياة المسلم وعقيدته وقناعاته تبلغ أوجها وذروة سنامها في مناسك وشعائر الحج ، فمذ أسلم الخليل إبراهيم وجهه لله وتل ابنه للجبين " قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " .
وحين نادته هاجر (عليها السلام) عندما تركها وولدها إسماعيل عند البيت الحرام بواد غير ذي زرع آنذاك ، ونادته يا إبراهيم : آلله أمرك بهذا ؟ فأجابها بأنه أمر الله ، فقالت وباطمئنان شديد : إذن لا يضيعنا .
و يأتي الطواف بدءً بالصفا وانتهاء بالمروة ، واستلام الحجر الأسعد وتقبيله لمن يسر الله له ذلك ، وإلا فبالإشارة إليه ، مع عدد وتوقيتات رمي الجمار وعدد حصياتها ، والوقوف بعرفة ، والمبيت بمنى ومزدلفة ، مما قد تخفى حكمه وأسراره على كثير من الخلق ، لكن يبقى معنى التسليم المطلق لله أمرا محوريا ومفصليا في فهم حكم الحج وأسراره ومراميه .
غير أن ذلكم الحاج الذي يدرك تلك المعاني ويعيشها في الحج بروحه بحق وصدق ينبغي أن تكون هذه المعاني الإيمانية حاكمة لحركة حياته كلها ، فيعيش بكل كيانه مفهوم أن الأمر كله لله تعالى ، حيث يقول سبحانه : " مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ". ويقول سبحانه : " وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ، ويقول سبحانه :" قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ " ، فيعيش من يستمسك بالإيمان بالله ويحسن تفويض الأمر له في ذل وانكسار لله رب العالمين عيشة رضية قوامها الرضا والتسليم والإيمان الراسخ الذي يمنح صاحبه القوة والصلابة في الحق وعميق الرضا بالقضاء والقدر ، فينال جزاء الشاكرين في النعماء والسراء ، وجزاء الصابرين في البأساء والضراء ، وهذا هو حال المؤمن كما حدثنا عنه نبينا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) . .......................... وزير الأوقاف