عندما تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى فى يوليو 2018 ولأول مرة عن خطر الشائعات التى تستهدف المصريين بهدف نشر البلبة والإحباط، مؤكدًا أن مصر تعرضت إلى 21 ألف شائعة خلال 3 أشهر. لفت الرقم المخيف نظر الكاتب والشاعر أحمد خالد الذى ظل على مدار عام كامل يتتبع الشائعات محاولا تحليلها وتفسيرها والتوصل لدوافع مطلقيها ليصدر أول كتاب عن "حرب الشائعات على المصريين" عن دار الهلال. ورغم أن هناك كتبا كثيرة صدرت عن الشائعات مصريا وعربيا ودوليا لكن هذه هو الكتاب الأول الذى يجعل من موضوعه تحليل الشائعات فى مصر توثيقا وتحليلا كحالة خاصة وليس كتابا عاما عن الشائعات فى إطارها العام.
أى أننا أمام تحليل لحالة محددة فى اثنتى عشر فصلا تتعدد عناوينها الدالة مثل: "وطن بدون أهرامات" و"هروب التمساح" و"صناعة القلق"و"فئران الضرائب" و"موظف لكل مواطن" و"الانتقام من سيدات يونيو".
ومن البداية يؤكد أحمد خالد أنه كتابه لا يعبر عن رأيه السياسى ضد أو مع الحكومة وقراراتها لكنه يعبر عن موقف وطنى يرفض التلاعب بعقول المصريين فيقول فى مقدمة كتابه:
".. موقفى من الشائعة قد يختلف عن موقفى من موضوعها، أرفض الشائعات تماما فهى حرب مدمرة على المصريين، وهذا واضح ومحدد، لكن حين تجدنى أتصدى وأفند شائعة يدور موضوعها حول برنامج الحكومة فى الإصلاح الاقتصادى كرفع الدعم مثلا، فهذا لا يعنى أننى ضد أو مع رفع الدعم. أنا لا أعلن عن رأيى هنا فى الموضوع الذى تستهدفه الشائعة، إنما أريد أن أكشف عما تحاول أن تهدمه الشائعة فى عقول وبالتالى تفكير المصريين وفى قلوب وبالتالى مشاعر المصريين، وفى الوحدة الجمعية للمصريين، وبتشتيتهم بين ما هو حقيقة وبين ما هو شائعة.
ويستطرد قائلا: "هل هناك دخان بلا نار؟ نعم هناك وهناك الكثير، الذى يصل فى بعض الأحيان لأن يصنع نارا ليسند عليها دخانه,ويصنع دخانا ينقلب نارا، دخان قد يتسبب فى جرائم تصل إلى القتل، كما يحدث أحيانا فى جرائم الشرف,ولا تزال حتى هذه اللحظة صورة تلك الفتاة "الشهيدة " من أحد ألأحياء الشعبية فى القاهرة,ماثلة أمامى,كانت فى الصورة مبتسمة وحيية ومفعمة بالحياة، وبجوار الصورة كانت جثتها المطعونة بسكين والدها,شاهدة على ما تفعله الشائعة، شائعة انتشرت وقالت أنها على علاقة حرام بشاب ما، وصلت إلى حملها سفاحا، ما دفع والدها إلى قتلها، والدها الذى لم أر رد فعله، حين أثبت تقرير الطب الشرعى,أن فتاته قتلت وهى عذراء.
الشائعة قتلت فتاة،إبنة، إنسانة، وبإمكانها أن تهدم مجتمعات فتقتل أوطانا، يمكنها أن تزور التاريخ، وتبدل الجغرافيا، بل يمكنها أن تسرق الماضى، كما تفعل إسرائيل بمحاولتها تهويد التراث المصرى والفلسطينى والعربى عموما، وعلى مسئولية أستاذ الأدب الشعبى الكبير العلامة أحمد مرسى فإن إسرائيل قامت بجمع ما يربو علي أكثر من عشرين ألف حكاية شعبية متداولة ونسبتها إلي التراث اليهودي، سمعت الرجل يردد هذا منذ سنوات طوال مبحوح الصوت، محذرا ومستنهضا، ولا أحد يسمع، وما زال الرجل مبحوح الصوت.
هاكم شائعة تزعم أن جحا يهودى.. هل تضحكون ؟.. هاكم شائعة أخرى تزعم أن الفول والطعمية، فى الأصل "اكلة يهودية".. هل تستغربون؟.. لا داعى للضحك أو الاستغراب فالشائعتان الآن جزء من يقين ما فى الجامعات ومعاهد البحوث الإسرائيلية، ومنها إلى الاعتراف البحثى العالمى، الشائعتان صارتا حقيقتين.
إسرائيل سرقت الأرض، وفى يقين واحد مثلى ولد وتربى وشاهد و استقر فى وعيه أن الأرض ستعود، وفى يقين واحد مثلى,ولد وتربى واستقر فى وعيه أن الصراع بيننا وبين إسرائيل صراع حضارى، فإن عودة الأرض المسروقة، لا تعنى شيئا إذا لم يعد معها ما سرق من ماضيها وتراثها، وما دام الأمر كذلك، فمن الصعب على واحد مثلى، إن يغفل أن شائعة ما ومهما كانت فى مظهرها مغلفة بالسذاجة والتفاهة، أنها من الممكن أن تتحول إلى صناعة تبدل الماض !! وتغير الواقع وتفرض المستقبل.
ثم ينبه قائلا: مرة أخرى: هل هناك دخان بلا نار؟ ومرة أخرى: نعم هناك وهناك الكثير، والكثير، خصوصا فى مجال العالم الافتراضى، وهو عالم لا يحتاج نارا ولا دخانا، ولا يصح التعامل معه بمنطق الأمثلة الشعبية,والحكم الإنسانية، التى أتت من خبرات الإنسان حتى لو كانت تكونت عبر عشرات الآلاف من السنين، فهذا عالم حديث ومستحدث، لا يمكن التعامل معه سلبا وإيجابا، إلا بالخبرة الآتية منه، وهى خبرة لا تشفع لأصحابها لو توقفوا لحظة عن استيعاب كل مستحدث فى هذا العالم الذى لم يعد افتراضيا إلا كمسمى لغوى، بعد أن صار أقرب لإنسانه من حبل الوريد.
فى عالم كهذا، وفى هذا العالم,تغير كل شئ، بما فى ذلك تغير أدوات الصراع بين الشعوب، وفى ذلك تقدمت حروب الجيل الرابع، لتحقق ما فشلت فيه الحروب التقليدية، غير أن البعض منا لا يدرك أو لا يريد أن يدرك أن هناك حربا جديدة، والبعض إذا أدرك فإنه لا يملك مقومات دفاعه وهجومه فى هذه الحرب، ويبدو كمن يرفع سيفا فى مواجهة صاروخ. لا سيف ولا صاروخ فى هذه الحرب، فالشائعة تتجاوزهما، وهى أحد أهم وسائل حروب الجيل الرابع وأهم مرتكزات الحرب النفسية فى تجلياتها الحديثة، ومواجهة الشائعة تحتاج أولا الإلمام بها، ومعرفة طريقة تحركها وإدراك الهدف منها، ثم مواجهتها بآليات لا تقل عن آليتها، وهو أمر يحتاج منظومة كاملة، لها القدرة المرنةعلى تفنيدها وتكذيبها والأهم إزالة أثرها.
ويبدو أن ذلك يقع على عاتق الدول والحكومات وأجهزتها، لكن مهما كانت القدرات عالية فى هذا المجال، فإن ذلك لا يجدى نفعًا إن لم يكن هناك وعى من المجتمع أو غالبية مكونات المجتمع بحرب الشائعات، وهو أمر أيضا لا يجدى نفعا بدون وجود ثقة بين الحكومة والشعب، فمهما فعلت حكومة ما لنفى شائعة,لن تنجح إذا لم يصدقها شعبها، والصدق والتصديق بات أمرًا صعبًا فى عالم,يمكن ان تهدم فيه "تويتة" بيان حكومة، وقد هدمت التويتات حكومات وأشعلت ثورات وبدلت أوطانا. الكاتب الصحفى أحمد خالد غلاف "حرب الشائعات على المصريين "