يبدو أن السودان موعود بالأزمات ويبدو أن على الشعب الشقيق أن ينتظر كثيرًا حتى ينعم بالحرية والتنمية والتقدم. عندما تحرك الشعب وأسقط نظام البشير، فى أبريل الماضي، تحركت آماله بسرعة مذهلة نحو تحقيق التنمية المعطلة منذ استقلاله فى يناير 1956 وطمع الشعب، وهذا حقه فى أن تتحول تلك الاراضى الميتة إلى شرايين حياة له وللأمة العربية جمعاء وأن تتحول تلك الثروات القابعة تحت الأرض إلى خير كبير فى أيدى كل أبناء الشعب وأن يأخذ السودان مكانته الحقيقية كجسر للتنمية والتواصل بين أمته العربية ومحيطه الإفريقي. الآمال التى داعبت الخيال السودانى كثيرة وتستند إلى وقائع وحقائق وليست ضربا من الخيال والتمني؛ لأن السودان يملك مخازن الأرض ويبحث عن الدعم والاعانات من الدول الاخرى ويكفى الاشارة إلى أن السودان قبل مجيئ الإنقاذ فى يونيو 1989 كانت الاعانات تحتل 80% من ميزانيته ولم يعرف الشعب نعيما يذكر طوال تاريخه. الثورة التى حركت المارد وأخرجته فى كل شوارع ومدن السودان، لايمكن أن تكون ثورة محاصصة وتقسيم سلطة والصراع على عدد الكراسي، فليس معقولا ولا مقبولا أن تكون كل محاورات ومناقشات، أطراف الثورة منذ انتصارها وحتى الآن تدور حول كم مقعد لك وكم مقعد لى ولنا نصف البرلمان ولكم ربع الحكومة. لابد أن ينظر الثوار إلى أنفسهم وإلى المسافات التى قطعوها وإلى المكاسب التى اعتقدوا أنهم حققوها وهل تتناسب مع حجم طموحات الشعب السودانى أم أنها تقهقرت إلى مستوى أحلام الفريق المفاوض فقط؟ ماذا عن أسئلة التنمية وتوزيع عادل للثورة؟ وماذا عن توفير الخبز والدواء، الطاقة والعمل، الطرق والتعليم، الصحة والمياه؟ وهناك سؤال كبير حول السلام فى دارفور والنيل الأزرق وجبال كردفان والحركات المسلحة التى وقعت اتفاقات سلام مع البشير، ويتم الآن استبعادها من المشهد وحركتى عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد نور، اللاتين تحملان السلاح. كل هذه الأسئلة والهواجس والأحلام لم يجب عنها الثوار لأنهم أعادوا البلاد إلى دائرة الجحيم وهى دائرة البحث عن مقاعد والانتقام من النظام الذى سبقهم، ليس باعتباره نظاما فاشلا اقتصاديا ولم يحقق التنمية لشعبه ولكن لانه استحوذ على السلطة كل هذه السنوات. الشعب السودانى يحتاج اليوم من يحبه وليس من يحب مقاعد السلطة، من يفكر ليل نهار فى كيفية إخراجه من أزماته واستغلال ثرواته وليس من يسهر على تدبير مكائد الانتقام والتشفى فى الاعداء. ويبقى أن الشعب السودانى تجاوز قوى إعلان الحرية والتغيير التى اشعلت الثورة كما تجاوز قبلها نظام البشير وتجاوز من قبله الحزبين الكبيرين اللذين حكما السودان عشرات السنين وهما حزبا الأمة والاتحادى الدبمقراطي، وهو يفعل ذلك بحثا عمن يحبه ويفهمه ولم بجده حتى الآن.