من أجل بناء آلية افريقية لتجديد العلاقة بين التكتلات والاتحاد الافريقي كيف تحولت التكتلات الاقتصادية الافريقية من داعم حقيقى ومكمل كبير إلى مهدد يعوق عمل الاتحاد الافريقي كمؤسسة قارية تهدف إلى الاستقرار والتنمية فى افريقيا , ولماذا ظهر كل هذا التضارب فى اليات العمل بين تلك المنظمات الاقليمية الافريقية وبين اليات العمل فى الاتحاد , كان هذا هوالتساؤل الذى طرحته عندما كنت اعلق على امكانية اصلاح الاتحادوكان ردى على تساؤل الاصلاح كالتالى : تحتاج هذه المؤسسة القارية إلى اصلاحات متوازية للقيام بمهامها المتعددة سواء على المستوى الاقتصادى او السياسي او الإجتماعى , ويتوازى الإصلاح هنا فى مسارين متوازيين اولا: الاصلاح المؤسسي , ثانيا: الاصلاح المالى والادارى داخل الاتحاد , ولكن اذا استمر عمل المؤسسة القارية على هذا المنوال سوف تتابع المؤسسة تراجعها وقد يفشل ادائها , لقد فقدت مؤسسة الاتحاد الافريقي جزء كبير من قدراتها وضمانات عملها سواء على مستوى المجالس الداخلية (مجلس الامن والسلم- المجلس الاقتصادى والاجتماعى – المجلس التنفيذى ) او على مستوى باقى مؤساساتها الداخلية (المفوضية الافريقية – محكمة العدل الافريقية –المؤسسسات المالية ) وذلك لصالح التكتلات الافريقية الاقليمية والتى باتت تشكل تهديد حقيقي لعمل الاتحاد الافريقي بل والقيام بمهامه كبديل مؤقت فى كثير من الحالات قد نستعرض بعضها . وهنا يجب أن نطرح تساؤل فى غاية الأهمية , ما هو العامل الأساسي الذى ساهم فى تراجع عمل مؤسسة كبيرة كالاتحاد الافريقي ؟ فالبنظر إلى ميكانزم عمل مؤسسات الإتحاد الافريقي نجد أن هذه المؤسسات قد تراجع عملها لصالح تكتلات جديدة بدأت فى الظهور فى الاقاليم المختلفة الافريقية وللعجب ان هذه التكتلات كانت بالاساس تكوينات اقتصادية تسعى لتحسين نمط المعيشة الافريقي والعمل على تفعيل خطوات التكامل الاقتصادى فى افريقيا وفقا للنمط الاوروبى , وبالفعل فى منتصف التسعينات بدأت هذه التكوينات الاقتصادية فى الظهور تباعا , فالبرغم من كون مراحل التكامل الاقتصادى حوالى 6 خطوات بداية من منطقة تجارة تفضيلية تم حرة , ثم اتحاد جمركى وسوق مشتركة وصولا إلى الإتحاد الاقتصادى بسياسات اقتصادية ومالية واحدة , واخيرا العملة النقدية الموحدة , الا أن الاقاليم الافريقية بدأت فى الظهور معلنة عن مرحلة معينة من مراحل هذا التكامل فما تمثله الكوميسا ( السوق المشتركة لشرق وجنوب افريقيا ) غير ما يمثله الايكواس (الاتحاد الاقتصادى والتقدى لمنطقة الغرب الافريقي ) غير ما يمثله السادك( الاتحاد الجمركى لدول الجنوب ) فى منطقة الجنوب الافريقي بالاضاف لتكتل السحل والصحراء فى الشمال الافريقي . ومع مرور الوقت لم تعد لهذه التكتلات الوظيفة الاقتصادية وفقط بل تطور الامر وخرج الى حيز النفاذ الوظيفة السياسية والعسكرىة , أى أن هذه التكتلات لها اذرع ذات تأثير على أوجه الحياة فى القارة الافريقية وكل حسب درجة تطوره , فقد وصل الامر فى تكتل مثل الايكواس فى غرب افريقيا الى وجود مايعرف بقوات (الايكوموج ) التى تعد قوات اقليمية تساهم فيها كل دولة من دول التجمع بعدد من الجنود والعتاد العسكرى كمساهمة فى إقرار السلم والامن فى دول التجمع (لاحظ ان هذه وظيفة مجلس الامن والسلم فى الاتحاد ) اذا فقد خرج الاتحاد الافريقي عن نمط المساهمة الفعالة فى هذه المنطقة من افريقيا , ولعل أبرز ما قامت به قوات الايكوموج على سبيل المثال اثناء ازمة جامبيا وإجبار الرئيس يحيي جامع على تقبل نتائج الانتخابات والخروج السلمى من السلطة فى عام 2017 هذا بالاضافة لما اظهره الإتحاد الجمركى لدول جنوب افريقيا المعروف اختصارا بأسم (السادك ) من شراسة واقتتال لمنع تدخل الإتحاد الافريقي فى أزمات الجنوب كان آخرها رفض الاتحاد الافريقي بقيادة بول كاجامى (رواندا) لنتائج الانتخابات الخاصة( بالكونغو) ورفض الإتحاد بصورة قاطعة حصول تشيسكيدى على الرئاسة فى الكونغو ووصفها بانها صفقة حقيقية بين تشيسكيدى وجوزيف كابيلا الرئيس السابق للكونغو , لضمان خروج آمن لكابيلا , وما ان رفض الاتحاد الافريقي هذه النتائج الا وقد أعلن تجمع السادك ترحيبه بها وايمانه بشفافية الانتخابات ( وأن كاجامى يسعى للانتقام من الكونغو لأسباب تتعلق بالانتمائات القبلية ) وأنتصر تجمع السادك فى التسويق لانتخابات الكونغو متحديا الاتحاد الافرقي بكل مؤسساته , ولكن لم تكن هذه هى السابقة الاولى من نوعها لتجمع السادك فى تحدى عمل الاتحاد الافريقي فقد سبق وان أظهر السادك نفس التحدى وتخطى عمل مؤسسات الاتحاد فى ازمة (روبرت موجابي ) رئيس زيمبابوى السابق فى عام 2017حينما ايد التجمع خروج الرئيس روبرت موجابي من السلطة دون الخضوع للمسائلة فيما يشبه الصفقة ايضا ,وذلك بالتعاون مع جبهة المحاربين القدماء فى زيمبابوى التى ضمنت خروج آمن لموجابي بالرغم من الحديث عن امكانية خضوعه للجنائية الدولية وعدم تدخل تام من الاتحاد الافريقي . وفى كل ازمة من أزمات الجنوب نجد جنوب افريقيا تتزعم العمل على المستوى السياسي ولا تسمح بأى شكل من الاشكال تدخل الاتحاد الافريقي للقيام بمهامه بصورة اكثر فاعلية وادماجا للافارقة , لقد ظل ميثاق الاتحاد الافريقي يتحدث عن تحقيق الادماج السياسي والاقتصادى والاجتماعى للدول الافريقية ولكن على أرض الواقع لم يتحقق الا الادماج الاقتصادى وظهور التكتلات الإقتصادية الحالية , ولكن لتحقيق التكامل الاجتماعى والاندماج السياسي لابد من صياغة عدد من المفاهيم التى تتعلق بالبيئة الإفريقية وفقط دون ادخال أى مفاهيم او محددات خارجية على بيئة العمل الافريقي ولهذا فقد كان اولى بالاتحاد الافريقي ان يقوم بمهامه الضالع بها دون المساس بوظائفه الحيوية في افريقيا من قبل التكتلات الإقتصادية , ولكن كما رصدنا فهناك اذرع سياسية وعسكرية كبلت عمل الاتحاد وسهلت تفاعل تلك التكتلات مع الازمات الإفريقية بصورة اكبر تأثيرا ولهذا فكان ضرورى العمل على ايجاد أو خلق آلية ذات أدوات متعددة للحفاظ على استقلالية هذه التكتلات ودمجها معا لخلق أسس جديدة للعمل المنسق وتبادل الادوار بل وتكاملها بين تلك التكتلات ومؤسسة الاتحاد الافريقي في نسق تكاملى وتعد أهم سمات وخصائص هذه الآلية كالتالي: اولا: أن تكون هذه الآلية عبارة عن منهج ومسار علمى للوساطة بين تلك التكتلات والإتحاد الإفريقي ولا تسعي ابدا لعرقلة اى من مصالح تلك التكتلات بل تعمل على الوساطة بين التكلات الافريقية الكبرى وتعمل كغطاء سياسي بعضوية من كل تكتل من هذه التكتلات تحت مظلة الاتحاد الافريقي ويطلق عليها مجازا " اللجنة الدائمة لعضوية التجمعات الاقتصادية " داخل الاتحاد وتكون احدى اهم لجانه ومكوناته , وبذلك ينتفى التضارب فى العمل وفى ميكانزم اتخاذ القرارات . وان يكون لها خاصية دورية الانعقاد داخل الإتحاد الافريقي لمناقشة كل ما يجد من اعمال او أحداث فى كل اقليم على حدا , كأن يكون الانعقاد كل عام او 6 اشهر ثانيا : المحافظة بصورة كبيرة واستثنائية على القيم التنظيمية لكل تنظيم من هذه التنظيمات حيث الهوية لكل تنظيم لابد وان تستمر كما بدأ وأن يتم الحفاظ على اهداف قيامه وعلى قيمه الخلقية والانسانية التى بناءا عليها تم ظهور هذه التكوين الاقتصادى , ونظرا للتنوع القبلى والزخم فى الميراث الانسانى الافريقي فقد كان لكل تجمع اقليمي من هذه التجمعات هوية افريقية ثقافية مختلفة وبشكل او بآخر فلابد لهذة الآلية من الحفاظ عليها في صورة ميثاق يحمى الميراث الافريقي من الاندثار فى هذه التكتلات أو محاولة العبث به , ويتم اقرار نوعية الثقافة المستهدفة فى كل تجمع بشري واقتصادى من هذه التجمعات وذلك حتى تحافظ تلك الكيانات على استقلاليتها حتى وهى تعمل تحت غطاء الاتحاد الافريقي كمؤسسة قارية تهدف لدمج الافارقة معا ثالثا : الاحتياجات الامنية, ظلت الاحتياجات الامنية للدول الافريقية تتزايد بصور مضطردة وذلك منذ فترة الثمانينات من القرن العشرين , حيث لم يكن هناك وجود حقيقي للاتحاد الافريقي بشكله الحالى بل كانت منظمة الوحد الافريقية والتى لم تسعي ابدا لسد هذا الاحتياج لدى الدول الاعضاء وحتى عندما تحولت للاتحاد الافريقي لم يقم مجلس الامن والسلم بتحقيق الاكتفاء الذاتى لهذا الاحتياج الذى ظل يتزايد حتى وصلنا لوضعنا الحالى الذى اصبحت فيه الحاجة الامنية لافريقيا لا تقل ابدا عن الاحتياج للمأكل والمشرب والتى مازالت تحصل عليها من الدول الغربية سواء فرنسا او الولاياتالمتحدة وخصوصا بعد تفشى ظاهرة الارهاب واحتياج الدول الافريقية لالية داخل الاتحاد توفر التدريب للعناصر الامنية والزام دول الجوار بتبادل المعلومات (جوار للدولة التى تتعرض لضربات ارهابية ) حول الإرهابيين وتحركاتهم , بالإضافة لكل ذلك توحيد خطة عمل تستهدف القارة مجتمعة لتصفية وتأمين طرق عبور المسلحين ونقل الاسلحة سواء شرقا من البحر الاحمر او شمالا من المتوسط نزولا الى الجنوب والغرب ولهذا الاحتياج تحديدا أصبح الاندماج تحت راية الإتحاد الافريقي ضرورة ملحة حتى لا يحدث تضارب سواء فى تنفيذ العمليات او فى تبادل المعلومات مابين هذه التكتلات الكبيرة ومؤسسة الاتحاد الافريقي وإلى أن نلقاكم للحديث عن اصلاحات مالية وادارية للاتحاد الافريقي ...