'عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية' كانت هذه هي المطالب التي طالب بها الثوار في ثورة الخامس والعشرين، وجاءت علي رأس المطالب الحرية التي حرم منها الشعب طوال ثلاثين عامًا، وبعد أن هدأت الاوضاع السياسية في مصر وجاء رئيس منتخب وتم وضع الدستور، ظهرت نية جماعة الاخوان المسلمين، فبعد السيطرة علي مؤسسات الدولة وشن الهجوم علي السلطة القضائية وسحب السلطة الرقابية من الإعلام باعتباره سلطة رابعة، صدر الإخوان فكرًا جديدًا يحاولون به التحكم الكامل في الشعب ايضًا، من خلال محاولة تمرير مشروع قانون التظاهر، وهو مشروع لن نقول إنه يحمل في طياته قمع الحريات، بل جاءت نصوصه واضحة وصريحة ومكبلة. مشروع القانون جاء لينظم التظاهرات التي حددها بألا تزيد علي السابعة مساءً وأن يعاقب بغرامة قدرها مائة الف جنيه من يعطل العمل وخلافه من بنود يقصد منها التضييق علي حرية إبداء الرأي والاعتراض، وهو ما يذكرنا بمشروع قانون كان قد أعد أثناء رئاسة الدكتور فتحي سرور لمجلس الشعب في النظام السابق، غير أن المشروع ولكثرة ما فيه من قيود لم يفلح المشرع في تمريره. يقول الدكتور مصطفي علوي 'أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة' إن التظاهر حق مكفول دستوريًا في جميع البلاد الديمقراطية، ولكنه منظم حيث يكون هناك إخطار يوجه للجهات المختصة للإعلام بموعد المظاهرة ومكانها ومدتها، وبالتالي الأمر ليس مفتوحًا دون تنظيم كما يحدث هنا في مصر، واستمرار التظاهر لعدة أيام أمر غير مقبول، وقد كفل مشروع القانون هذا الحق بطريقة إيجابية. وعلق 'علوي' علي النص الخاص بالوجود الأمني داخل التظاهرات والتجمعات، بأنه نص غير مقبول وغير مفهوم، لأنه سيترتب عليه مواجهة بين المتظاهرين وقوات الأمن، حيث إن الوجود الأمني يجب ان يكون في مكانه الطبيعي لحماية المظاهرة فقط، وحتي إذا حدث خروج علي ضوابط تنظيم المظاهرة يبدأ في التدخل، ولكن لا حاجة لهذا الوجود غير المبرر، وهو أمر لن يكون مقبولا من قبل المتظاهرين فقد يشعرون بأنهم لا يمارسون الحق الكامل في التظاهر وان هناك قيودًا مفروضة عليهم. وتعجب 'علوي' من نص مادة تنظيم الإضراب عن العمل، فالمادة تكفل حق الإضراب دون الإضرار بالعمل، ووصفها بأنها غير مفهومة، فكيف يكون الاضراب مكفولًا دون الإضرار بالعمل، فالإضراب غير التظاهر، الإضراب يعني التوقف عن العمل أيًا كانت مدة تعطيل العمل، بينما التظاهر هو الذي ليس شرطًا أن ينتج عنه توقف العمل فهو قد يأتي بعد ساعات العمل. وقال 'علوي' إنه يجب أن تكون هناك طرق للشكوي علي العمال اتباعها للحصول علي حقوقهم، ويجب ان يتضمن هذا القانون سبلا محددة لحل مشك - لات العمال للحصول علي حقوقهم وحتي يتم إغلاق باب الإضراب، حيث إن نص المادة غامض ويضر بالعمال حيث اتهامهم بالتحريض علي الاضراب لذلك يجب تحديد المادة بشكل أوضح، كما طالب العمال في حالة المطالبة بأي شيء عليهم بالإضراب الجزئي أولاً حتي لا يتم تعطيل العمل. ويري 'علوي' أننا في حاجة لحل المشك - لات القائمة، وإصدار مثل هذا القانون لتنظيم الأمور أمر جيد لأننا نبحث جميعا في النهاية عن مصلحة المجتمع حتي يتعافي الاقتصاد، ولكن ما صدر من مواد في هذا القانون يحمل في طياته توجهًا لعدم الديمقراطية بدعوي البحث عن الاستقرار، فالحقوق والحريات يجب أن تكون مكفولة بصورة حقيقية والاستقرار ايضًا يجب ان يراعي، فك - لاهما مطلوب بشكل متوازن. ووصفت مارجريت عازر 'السكرتير العام لحزب الوفد' هذا القانون بالمشروع الهزلي ومعني ان يتم طرحه وتقديمه أننا نعود للوراء إلي عصر الدولة البوليسية وسياسات القمع، وان هذا القانون نصوصه وبنوده شديدة العوار وخطيرة جدًا، وأكدت عدم السماح بتمرير مثل هذا القانون. واستنكرت 'عازر' نص المادة الخاص بالوجود الأمني داخل التجمعات، موضحة أن هذا كلام غير مقبول ولا يصدقه عقل، فكيف نجلس في الاجتماع ايًا كان ونحن محاطون بالأمن لضمان عدم الخروج علي القانون؟! فهذه المادة لا وصف لها وهذا القانون هزلي ويعود بنا لما هو أسوأ من عصر مبارك. واتفقت معها كريمة الحفناوي 'الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري' حيث قالت إن قانون التظاهر جريمة لا تغتفر لمن وضعه فهي جريمة جنائية، فلا يوجد قانون بهذا الشكل فهو يمنع في مضمونه وتفاصيله أي تعبير سلمي لأي فرد، بل يمنع حتي التفكير ولم ينقصه سوي أن يمنع الناس من أن تحلم بالتعبير عن آرائها، فهذا ك - لام غير منطقي، ولم يأت مثله في تاريخ دساتير العالم. وضربت مثلًا أنه في أثناء فرض الحماية علي مصر عام 1914 من قبل الاحتلال الانجليزي لم يأت قانون التجمهر بمثل هذا القمع، فهو بالنسبة لهذا المشروع منتهي الحرية. وأضافت 'الحفناوي' أن جرم القانون يصل لحد الاستهزاء، فمثلا حتي إذا كان الاجتماع سلميًا يجب الوجود الأمني، والإضراب عن العمل لا يعطله، ومسيرة الشارع لا تعطل المرور، أي ك - لام هذا، لا معني له. وتقول إن هذا ليس قانونًا بل هو تعبير عن فكر الإخوان وعن فاشيتهم وأنهم يريدون بهذا القانون سيادة الدولة البوليسية الإرهابية الأمنية. وأكدت 'الحفناوي' عدم السماح بتمرير مثل هذا القانون لأننا دفعنا دمًا غاليًا من أجل الحرية ولن نسمح بإهداره هباءً. وأشار محمد الجيلاني 'وكيل مؤسسي حزب التحالف الاشتراكي' إلي أن هذا المشروع لا يوجد به ما يسمي بحق التظاهر، فالإخوان و بعد استيلائهم علي البلاد قرروا عمل مثل هذا المشروع القمعي للحريات لتكميم الأفواه وتقييد الحريات، وكأن الثورة قامت فقط من أجلهم، ومن هنا تكون قد انتهت بكل مبادئها وما جاءت به. ويري 'الجيلاني' أن الشعب لن يوافق علي هذا القانون خاصة بعد مناقشته في مجلس الشوري فهنا سيعلم الناس ما يحتويه هذا القانون من قمع وتكبيل للحريات وسيستشعرون الخطر ويطالبون ويتظاهرون من أجل عدم تمريره. وأوضح أنه بهذا القانون نحن نعود لما قبل عصر مبارك، حيث إن مبارك نفسه لم يجرؤ علي مثل هذا القمع، بل كان يسمح بالتنفيس عن الشعب في مظاهرة من وقت لآخر، ولكن الآن بعد هذه الثورة المجيدة التي علمت الشعب كيف يطالب بحقوقه ويدافع عنها سيكون من المستحيل الرضوخ لمثل هذا القانون. وأكد أن التظاهر السلمي حق موجود في كل مكان في العالم ولا نسمع عن انه يعوق التنمية الاقتصادية لأي دولة. ويري الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع، ان هناك قاعدة لمبدأ حقوق الانسان ومواثيق الاممالمتحدة في هذا الشأن كلها تنص علي حق المواطن في التظاهر وإبداء الرأي وكفالة حرية التعبير، من خلال وسائل الإعلام أو من خلال التظاهر السلمي في الشارع، وبالنسبة للتظاهر وإن كان حقًا للمواطنين إلا أنه لابد من وجود ضمانات لممارسته، وقد شهدت مصر منذ قيام الثورة العديد من المظاهرات للتعبير عن الرأي وقد وصل الأمر إلي اننا كنا نشهد مظاهرة علي الأقل اسبوعيًا، وقد أدي هذا إلي مخاطر أثرت علي الاقتصاد، حيث قام البعض بقطع الطرق والسكك الحديدية وغيرها حتي بات الحديث عن إفلاس الدولة واعتبار الوطن منفلتًا أمنيًا. وقال 'السعيد': إنه قد آن الأوان بعد الوصول لحافة الهاوية أن توضع الضوابط وان تطبق بكل قوة وحزم لأن مصلحة الوطن تعلو علي مصلحة الفرد، وأضاف أنه إذا كان هذا القانون فيه ما يتعارض مع الحرية الكاملة في التظاهر أو الإضراب، إلا أنه أصبح مطلبًا اجتماعيًا. وأكد 'السعيد' انه من حق كل مواطن التعبير عن رأيه فهذا حقه، ولكن علي الصعيد الآخر هناك ضرورة لوضع ضوابط لهذا الحق حتي لا يؤدي إلي الإضرار بالوطن أو المواطنين.