دأب نفر من بني جلدتنا على توجّيه أصابع الاتهام للأزهر ملقيا بالمسؤولية في تخريجه عناصر إرهابية، والاتهام دائما ما يطال مناهجه الدراسية أو علمائه الأجلاء ، فالأيام القلائل الماضية حملت أحد الصحافيين البارزين على توجيه أصابع الاتهام إلى الإمام الراحل الشيخ الشعراوي مصرحا بأنه أحد أسباب العنف ، ويتعلل المنتقدون على أن المناهج الأزهرية تضم الكثير النصوص التي تحضّ على العنف والكراهية ورفض الآخر، والحقيقة يا سادة لدى هنا ما أقوله شهادة لله تعالى وللتاريخ ، لم يكن المنهج الأزهري في يوم من الأيام يحمل على التطرف أو رفض الأخرين أو الانعزال بمنهجه عن التطور الإنساني والبشري ، كما أنه لا يخفى عن كل منصف الجهود الكبيرة لشيوخ الازهر المتعاقبين في تطوير المناهج وجعلها مواكبة للتطور والحداثة مع عدم فقد البوصلة مع الخطوط الرئيسية للشريعة الإسلامية ، وكان أخر هذا التطور ما أصدره الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وحمل القرار رقم 8 لسنة 2013 بتشكيل مجموعة من اللجان، لإصلاح وتطوير التعليم الأزهري مع إعادة النظر في المناهج وتطويرها كل خمسة أعوام ، من ناحية أخرى يا سادة لا يعيب على المنهج الفقهي أن يقوم على الثراء في الافكار والآراء وأن يعرض جميع وجهات النظر السابقين واللاحقين ليس على سبيل الإلزام وإنما ليتبين للباحث الغث والثمين وهذه من النقاط التي لا يفهمها الا المتعمقين في البحث ، وفي الآونة الأخيرة قام الأزهر الشريف بأمور طيبة منها على سبيل المثال لا الحصر الآتي : أولا : أقام مركزاً للترجمة :ففي ظل قيادة المستنيرة للدكتور أحمد الطيب، شهد الأزهر عمليات تطوير وتحديث مستمرة، من أجل تقديم الإسلام الصحيح إلى العالم ونفى الصورة المغلوطة ومواجهة الإسلاموفوبيا، ومن عملية التطوير هذه أيضا إنشاء "مرصد الأزهر باللغات الأجنبية"، ويضم مجموعة من أنشط وأكفأ شباب الأزهر، ممن يجيدون اللغات الأخرى، ويعملون على مواجهة الأفكار المتطرفة بمختلف لغات العالم وهي بلا شك رسالة محمودة وطيبة . ثانيا : حذف نصوص تراثية سواء التي تدرّس في المعاهد الأزهرية أو كليات الجامعة، تم تطويرها بوساطة 100 خبير من داخل المؤسسة الأزهرية وخارجها ، بالإضافة الى أن المناهج في الكليات الازهرية أصحب شبه موحدة ، فما يدرس في القاهرة يدرس في طنطا والاسكندرية وكافة الكليات . ثالثا : بنك المعرفة الشرعي : وهذا البنك مهمته التيسير على طلاب العلم سواء في قطاع المعاهد الأزهرية أو في نطاق الجامعة الحصول على معلومة تتسم بالسهولة واليسر دون اللجوء إلى كتب خارجية قد تحمل افكاراً متطرفة ، وكذلك يعمل البنك على تأهيل وتدريب وتأهيل المعلمين والاهتمام بهم. رابعا : المرحلة الابتدائية وهي من أخطر المراحل في تكوين عقلية وفكر الطالب فالأزهر يبدو متفردا فيها عما قبل، فشهدت في عصر الإمام الطيب فليست مرحلة تلقين ، انما هي مرحلة قصد منها التوجه إلى ذهن وعقلية الطفل الصغير بتعيين الكفاءات وزيادة فترات الترفيه لدي التلاميذ وتلقين التلميذ القيم الجميلة التي تنعكس على الأسرة والمجتمع مثل حب الوطن والدفاع عنه وحقوق الوالدين والجيران والطريق وخلافه . كتبت مناهج السنغال على مدار 4 وايضا عملت مستشارا لوزير التعليم هناك ، وعندما عرض على أمر كتابة المناهج أخبرني وزير التربية هناك أنهم يتطلعون لكتابة المناهج مثل التي تدرس في مصر ، فقلت له لماذا يا سيادة الوزير ؟ أجابني قائلا : كل من درس المناهج الأزهرية المصرية هم من يقودون المراكز العلمية والتنفيذية في إفريقيا بداية من المدرس وصولا إلى رئيس جمهورية وذكرني برؤساء دول تخرجوا من الأزهر الشريف . العجب كل العجب يا سادة أن نمزق أنفسَنا بأنفسِنا أو بالأحرى نعيب مَنَهَجَنا ونصمه بالتطرف لصرف الناس عن التعليم الأزهري الذي هو مبتغى القاصي والداني ، ألا تعلمون أن الأزهر يحتضن الأن 23 ألفاً من الطلاب من كافة بقاع الأرض قصدوا الأزهر وعلومه في الوقت الذي يشن فيه الحملات على التعليم الأزهري بقصد تحجيمه أو وأده ، ألا تعلموا أننا لو فتحنا الباب لمن أراد التعلم لكانوا مثل حجيج بيت الله أو أكثر ، أرحموا الازهر ومناهجه وطلابه فهم في كنف الله ، حفظ الله مصر وأزهرها من كل مكروه وسوء.