فن صناعة الزمن الجميل

وهل تصنع الأزمان؟‮! .. ‬وهل لصناعتها فن معلوم؟‮! .. ‬وما المقصود بالزمن الجميل؟‮!‬
هل هو زمن‮ '‬الأبيض والأسود‮' ‬والرومانتيكية الثورية،‮ ‬التي‮ ‬تصاعد إيقاعها الوهاج علي‮ ‬أرض المحروسة،‮ ‬عبر الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات،‮ ‬والتي‮ ‬بلغت ذروتها في‮ ‬الستينيات؟‮!‬
الأمر بالفعل محير؟‮! .. ‬لكن شيخي‮ ‬علمني‮ ‬أن القادم دائمًا هو الأجمل‮ .. ‬وأن آباءنا وأجدادنا صنعوا مجدنا الثوري‮ ‬لأنهم آمنوا بأن الإنسان المكلف بإعمار الكون مكلف بصناعة الأجمل دائمًا‮.‬
وكان‮ ‬يذكرني‮ ‬بقول الشافعي‮:‬
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
لذا فأنا أري‮ ‬أن أجمل ما أحدثته ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير في‮ ‬نفوس المصريين هو تحرير الروح من الخوف،‮ ‬ومن نبش الذات العدمي،‮ ‬ومن هيستريا لعن الزمان الرديء‮.‬
فلقد كف الشباب‮ '‬مفجر الثورة‮' ‬عن ذم الزمان وآمن أن العيب كل العيب فينا،‮ ‬وفي‮ ‬خوفنا وفي‮ ‬استكانتنا وركودنا،‮ ‬ونمطيتنا‮ .. ‬وعندما خرجوا بالآلاف ثم مئات الآلاف تدفق الملايين من أبناء الشعب بطبقاته المختلفة ليدمروا وهم قوة النظام،‮ ‬وكسروا أنف‮ ‬غطرسته البغيضة واكتشفوا أن طواويس النظام المتغطرسة مجرد كائنات بائسة مرتعشة،‮ ‬تقبع الآن في‮ ‬السجون تلعق جرح بؤسها المهين‮ .. ‬فتعلم الناس درس التاريخ‮: ‬أن الطواويس المتغطرسة مكانها مزبلة التاريخ،‮ ‬فهل‮ ‬يتعظ المتغطرسون الطواويس الجدد؟‮! .. ‬وهل‮ ‬يفهمون أن وهج الثورات لا‮ ‬ينطفئ في‮ ‬وجدان الشعوب‮ .. ‬وأن الفعل الثوري‮ ‬يتنامي‮ ‬وينضج ويكتسب المزيد من الثقة والخبرة والإصرار العنيد علي‮ ‬صنع الزمن القادم الجميل؟‮! .. ‬هذا الزمن لا‮ ‬يصنعه إلا الإنسان الحر‮ .. ‬لأنه الوحيد المكلف من الله سبحانه وتعالي‮ ‬بقيادة التاريخ وتحقيق العدل وإحقاق الحق‮ .. ‬فيخرج من ثورة إلي‮ ‬ثورة تسلمه إلي‮ ‬ثورة جديدة‮ .. ‬تفرز وتنقي‮ ‬وتغربل‮ .. ‬تجمع الجميع لتشق مجري‮ ‬التاريخ‮ .. ‬ثم تجرف الأعشاب والطحالب العالقة بقوة التدفق والتيار العفيّ‮ ‬لتلقيها بعيدًا في‮ ‬المصب‮ .. ‬إنها حركة التاريخ وقانونها الدائم‮ .. ‬التي‮ ‬يفعّلها الآن الإنسان المصري‮ ‬الثائر القادر علي‮ ‬الحلم والقادر علي‮ ‬الإيثار والإبداع الثوري‮ ‬الذي‮ ‬يصنع المجتمع الأجمل ليعود الإنسان كما خلقه الله حرًا قادرًا علي‮ ‬الاختيار بين الخطأ والصواب‮ .. ‬وعندما‮ ‬يتحرر قوت‮ ‬يومه،‮ ‬ويأمن علي‮ ‬مستقبل أبنائه‮ ‬يتحول إلي‮ ‬طاقة بناء هائلة لا‮ ‬يقف في‮ ‬وجهها أحد‮ .. ‬لقد حفرت ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير مجراها وتدفقت وتحفزت لتعود إلي‮ ‬التدفق من جديد ليجرف تيار الثورة العفيّ‮ ‬النقي‮ ‬الجيف،‮ ‬والطحالب والمتنطعين وفارغي‮ ‬العقول والمتآمرين والطواويس إلي‮ ‬المصب البعيد‮ .. ‬ليبدأ الزمن الجميل‮ .. ‬وإن‮ ‬غدًا لناظره‮ .. ‬لقريب‮..‬