مين يراهن إن بكرة جاي قوام؟ / مين يراهن؟ / والصباح - اللي عمره ماتنسي شمسه حتكون الإمام / إمتي بكرة؟ / صدقوني مش بعيد/ النهاردة الكون في وقفة/ والأكيد/ إن بعد الوقفة عيد/ جاي قوام/ بعد شهر أو تلاتة/ ولا يمكن بعد عام/ مين يراهن؟. هكذا كان دائمًا.. شعلة حماس، وبركان يتفجر حبًا للوطن والناس، يرسم ملامح الحكم وينثر ومضات الأمل في القلوب.. يجوب الكفور والنجوع والحارات لينشد قصائده المفخخة التي تنفجر في وجه النظام الاستبدادي الفاجر فتنير الطريق بضوئها أمام الفلاحين والعمال والعربجية والقهوجية وبائعي الترمس وبائعات الخضراوات وعمال المطابع وعمال التراحيل، وسائقي الميكروباص.. فلم يكن عمر نجم مجرد شاعر مثقف يلقي قصائده علي المقاهي ووسط البلد، وندوات القاعات المكيفة، لكنه وهب قصيدته وعمره وفكره وقلمه للوطن والناس.. كان يتجول في قري مصر ونجوعها في الدلتا والصعيد حاملاً أحزانه وأحلامه في صدره ويسير موزعًا ابتساماته الطيبة علي البيوت الطينية والحواري الضيقة والغيطان والأشجار والورود فتزدهر الحياة.. كان ينضح حبًا للناس والأصدقاء.. لم يشعر بالغيرة من قصيدة، أو الحقد علي شاعر، لدرجة أنه بدلاً من أن يقدم نفسه للقراء في مقدمة ديوانه الثاني 'سعيد يعني هابي' قدم أسماء أكثر من ستين شاعرًا ومبدعًا ممن شكلوا ملامح الإبداع في السبعينيات والثمانينيات.. وكان لا يدخل علي الجريدة إلا وفي صحبته أحد المبدعين الجدد أو قصيدة لشاعر من الاقاليم ويطالبني بنشرها فورًا لأن صاحبها أكثر أهمية من شعراء مقاهي وسط البلد.. كان محبًا لكل الناس لدرجة أن عمنا خيري شلبي أسماه 'مؤسسة الحب المتحركة' والذي يشع توهجًا أينما ذهب ورغم سعيه لنشر إبداعات الآخرين كان لا يسعي لنشر إبداعه في الصحف والمجلات ويكتفي بإنشاد أشعاره - التي حفظها الكثيرون - في ندوات القري والنجوع والجامعة ومعرض الكتاب.. أيضًا كان دائم الكتابة عن الإبداع المصري والعربي.. وكتب عن المسرحيين الشبان الذين صادروا كبارًا والممثلين الناشئين الذين صاروا نجومًا والمطربين الذين أصبحوا ملء السمع والأبصار.. وقدم الكثير والكثير من الشعراء والروائيين والأدباء في مجلات القاهرة والمسرح والموقف العربي وصوت العرب والخليج وصباح الخير.. بينما لم يكتب عن إنجازه الشعري المهم.. أحد!!!.. لم يطلب أي شيء لنفسه واضطر أمام مطالب الحياة القاسية أن يسافر للعمل في الخليج.. لكنه لم يستطع أن يصمد أمام آلام الغربة أكثر من عام، فعاد ليعمل حتي رحيله المباغت في صباح الخير التي لم تف بوعدها وتقوم بتعيينه في هيئة تحريرها، رغم أنه كان 'دينامو' المجلة يرحل قبل أن يتم عامه الأربعين في مستشفي التأمين الصحي شأنه شأن مرضي أبناء الوطن من البسطاء. ورغم آلامه ومعاناته ظل مؤمنًا بالتغيير والمقاومة لم ييأس يومًا ولم يكتب حرفًا يتعارض مع مبادئه.. لذا فلقد سعدت سعادة بالغة وأنا أطالع الجزء الأول من أعماله الكاملة الذي يضم 'دواوينه الأربعة' الذي صدر بمبادرة محترمة من الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب والذي ستتلوه أجزاء أخري تضم مقالاته ودراساته النقدية.. فلقد وضعت هذه المبادرة إنجاز عمر نجم كاملاً بين أيدي محبيه وقرائه والحركة الثقافية لعل نقادنا يقدرونه حق قدره ويضعون إنجازه في مكانه اللائق من ذاكرة الوطن الإبداعية.. فلقد وهب عمر قلمه وإبداعه وروحه لمصر وظل يحلم بفجرها القادم ويؤكد أن 'الكون في وقفة/ والأكيد/ إن بعد الوقفة عيد'. ولقد كسب عمر نجم 'الرهان' وانتصرت ثورة يناير علي الاستبداد، لكن القدر لم يمهله حتي تكتحل عيناه بنور الفجر.. لكن يبقي لنا أن إنجازه الشعري الذي حلم بالتغيير بين أيدينا وأيدي الأجيال القادمة.. فطب نفسًا 'يابو نجم' فالوطن لا ينسي.