في الأيام الأخيرة من شهر رمضان بمصر عادة ما تقوم معظم الأسر بإعداد الكعك والبسكويت كأحد أهم المظاهر الاحتفالية لقدوم عيد الفطرالمبارك ، حيث يشهد إعداده فرحة كبيرة يشترك فيها الكبير والصغير وتقوم فيه الأم أو الجدة المصرية بالتحضير له ويقوم باقي الأسرة من النساء وبعض الجارات بالمساعدة في صبه وإعداده عبر قوالب معينة أو المشاركة في عملية النقش والزخرفة التي يتم حولها تبادل التهاني وأداء الغناء وتبادل الأخبار مع فرحة الاطفال ، ووسط تلك البهجة فإن رائحة تسوية الكعك تخرج من البيوت حتى يتم التعرف للجميع على اقتراب العيد ، كما تنتشر صناعة وبيع الكعك والبسكويت في الكثير من محلات الحلوى الشهيرة والكثير من المحلات الشعبية بالمدن ، وهناك أيضا الكثير من المخابز المنتشرة في أحياء الجمهورية التي تنشط في هذا المجال أواخر الشهر الكريم فتقوم بتصنيع الكعك وبيعه أو القيام بتسويته للكثير من الزبائن التي عادة ما تكون من النساء اللاتي يتجمهرن حول الأفران مما يدل أيضا على دخول العيد في جو احتفالي وفرحة كبيرة تملأ الجميع ، ورغم ذلك تظل صناعته وإعداده بالمنزل هي العادة المميزة والتقليد المتوارث عبر السنين الذي يعطي الانطباع الحقيقي للقداسة والبركة والفرحة لمعجنات تقوم في الأساس على خلط السمن واللبن والدقيق باعتبارها من الأطعمة الدينية القديمة التي كانت تقدم كقرابين وهبات للمعابد والأماكن الدينية وزيارة الموتى وتقديم الرحمات ثم دخولها في المناسبات العامة لإدخال البهجة والفرحة وطلب الرزق الوفير . وفي عيد الفطر لا يكاد يخلو منزل من إعداد كعك العيد ويقوم الأغنياء بإعطاء الفقراء ، وقد تفننت الأسر المصرية في صنعه ومنها الكعك السادة أو المحشو بالملبن والعجوة أو المحشو بالمكسرات ، وبجانبه أيضا يتم صناعة وإعداد القراقيش و الغريبة والبسكويت لتظل صناعته بالمنازل عادة من العادات الطيبة وقيمة معنوية تحمل في داخلها الفرحة والمتعة والقداسة وإحياء للذكرى المتوارثة التي تزهق ميزانية الأسر وتثقل كاهلها بالأعباء المادية عبر السنوات ، ورغم ذلك يصنعه القادر وغير القادر بسبب مساعدة الناس لبعضهم البعض عن طريق تقديم المواد اللازمة لصناعته كاللبن في الريف المصري الذي كان يهدى في هذا الوقت إضافة إلى السمن والدقيق ، أو استعارة الأسر الأدوات اللازمة للصناعة المنزلية مثل المناقيش والقوالب المختلفة التي تعتمد عليها تلك الصناعة حتى تتمكن الأسر من إدخال الفرحة والبهجة بقدوم العيد وتكون في صناعته عوضا عن ألم فراق هذا الشهر الكريم ، وعادة ما يقدم الكعك والحلوى للضيوف خلال أيام العيد مع المكسرات والشكولاتة والبلح والسوداني والترمس من خلال عادة تراها معممة في البيوت المصرية . إن صناعة الكعك قديمة بمصر وترجع إلى العهد الفرعوني منذ 5000 عام ، وقد وجدت له أشكال متعددة من خلال نقوش على المقابر حيث كانت زوجات الملوك تقدمه للكهنة القائمين على حراسة هرم خوفو يوم تعامد الشمس على حجرته ، وجدت دلائل تشير إلى صنع الكعك على هيئة قرص ثم التفنن في تشكيله وزخرفته حيث كانت ترسم صورة الشمس على الكعك ، ورغم آلاف السنين ظلت صناعة الكعك التقليدية بمصر متوارثة إلى يومنا هذا ، وعندما زار هيرودوت مصر في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد حسب موسوعة الويكيبديا تعجب عندما رأى المصريين يمزجون عجين الكعك والخبز بأرجلهم ، في حين أنهم يمزجون الطين بأيديهم . ومن خلال أزمنة العصور الإسلامية بمصر يذكر أن تاريخ الكعك يرجع إلى عهد الطولونيين 968م : 902م ، وكان يصنع عبر قوالب مكتوب عليها " كل واشكرا " حتى أصبح في عهدهم من أهم المظاهر بعيد الفطر ، وفي العهد الإخشيدي935م : 969م كان أبو بكر المدراني وزير الدولة قد صنع كعكا في عيد الفطر وحشاه بالدنانير الذهبية وكتب عليه "افطن لما فيه " حتى تم تحريف الكلمة إلى أنطونلة وأصبحت من أشهر الكعكات بالتاريخ المصري وكانت تقدم للفقراء ، وفي العصر الفاطمي 1171م خصص الخليفة مبلغ 20 ألف دينار لعمل كعك عيد الفطر وكان يبدأ صناعته من منتصف شهر رجب حتى تمتلئ المخازن لتكون كافية لتوزيعه على الشعب في العيد وكان الخليفة يتولى توزيعه بنفسه وأطلق على عيد الفطر في هذا العهد باسم عيد الحلل بسبب إعداد ملابس للعمال لصناعة الكعك ، كما خصص له إدارة حكومية تسمى دار الفطرة تتولى صناعته وتوزيعه عندما كان يقف الشعب في طوابير ممتدة أمام القصر ليحصل على نصيبه حتى أصبح هذا التقليد متوارثا وأصبح حق من حقوق الفقراء ، ويقال أن أشهر سيدة صنعت الكعك في العهد الفاطمي هي السيدة حافظة التي كانت تنقش عليه عبارات مختلفة منها " تسلم أيدك يا حافظة ، أو بالشكر تدوم النعمة " وعادة ما كان يقدم لضيوف الخليفة ، ومن أشهر الوقفيات في هذا العهد وقفية الأميرة نتر الحجازية التي كانت تقوم بإعداده وتوزعه على العاملين بمدرستها عام 748هجرية .
وفي العصر الأيوبي قضى صلاح الدين على الكثير من العادات الفاطمية ولكنه فشل في القضاء على إعداد وصناعة كعك العيد والحلوى الرمضانية التي مازالت موجودة إلى يومنا هذا ، وفي العهد المملوكي 1250 : 1517 اهتم المماليك وسلاطينهم بصناعة الكعك وقدموه بكثرة للفقراء والمحتاجين ومشايخ الطرق الصوفية والعلماء وطلاب العلم بالأزهر وأئمة المساجد ، وكانوا يعتبرونه صدقة تقدم في عيد الفطر ، ثم استمر في عهد الاحتلال العثماني ليظل التراث العربي محتفظا بتلك العادة وبخاصة في مصر وبلاد الشام للارتباط الجغرافي والتاريخي والديني .
ورغم الغلاء واختلاف الظروف السياسية والاجتماعية التي أحيانا ما تكون غير ملائمة إلا أن الناس في مصر والكثير من البلدان الإسلامية ما يزالوا حريصين على صناعة الكعك والبسكويت ابتهاجا بعيد الفطر ليظل هذا التقليد الموروث منذ القدم متوارثا ومحفورا في الذاكرة الجمعية باعتباره عنوانا كبيرا لدخول العيد في مصر والعالم الإسلامي .