فى الوقت الذى كانت تستعد فيه قوات جيش الاحتلال الصهيونى لتوجيه لشن العدوان على الشقيقة سوريا، كان يقف السفير الإسرائيلى على النيل، يرتدى مسوح الملائكة، ويتحدث عن «السلام!» فى احتفال سفارة الكيان الصهيونى بالقاهرة بمناسبة ما يسمونه ب«ذكرى قيام إسرائيل،» ذكرى النكبة الفلسطينية، واغتصاب الأرض العربية. أسئلة عديدة متشابكة تتبادر إلى الأذهان: هل وصل بنا الحال لأن يحتفل مصريون «مثلنا!» حتى لو بضع عشرات، ورموز العنصرية والإجرام، قتلة الرضع والأطفال والنساء والشيوخ، لصوص الأرض والتاريخ، مجرمو مذابح دير ياسين وكفر قاسم وبحر البقر وأبوزعبل وقانا، قاتلو الأسرى المصريين، يحتفلون بذكرى النكبة على أرض مصر؟!. يقولون: إن إسرائيل تحتفل بهذه الذكرى فى القاهرة منذ سنوات، وإن غالبية المصريين رفضوا الذهاب للاحتفال باستثناء عدد بسيط.. ويتجاهلون أنه أول حفل تقيمه السفارة الإسرائيلية بفندق كبير على ضفاف النيل، بعد أن كانت تقيم حفلاتها وفعالياتها على استحياء، وعلى نطاق محدود بمقر إقامة السفير. يقولون: إنها «الأعراف الدبلوماسية».. فهل نظمت السفارات الصهيونية فى كل دول العالم احتفالات بذكرى «نكبة العرب»، أم أن الأمر اقتصر على سفارة الكيان الصهيونى فى مصر، من باب «كسر الظهر» على طريقة «فتوات القرن العشرين»؟.. ولماذا غاب أفيجدور ليبرمان وزير جيش الاحتلال الصهيونى المؤدب جدًا فى تصريحاته عن مصر ليكتمل المشهد المخزى والمأساوى؟. يقولون: إنها «كامب ديفيد» واتفاقيات السلام.. فهل يمكن أن نستيقظ فى يوم، لنرى اسم القاتل شيمون بيريز، الذى يمتلئ تاريخه بالمجازر والمذابح والجرائم ضد الفلسطينيين والعرب، على أحد الميادين فى مصر.. أو أن نجد إسرائيل فى يونيو المقبل تحتفل بذكرى الانتصار فى حرب سبعة وستين؟!. يواسون أنفسهم ويبررون كارثة موافقة الدولة على إقامة هذا الاحتفال، لكن مهما اجتهدت فى التبرير أو بحثت وفتشت فى كل القواميس، عن كلمة مناسبة لوصف ما جرى، فلن تجد سوى «كلمة قبيحة» تلخص الأمر برمته.. لن تجد غيرها لتعبر عما وصلنا إليه. لقد شعرت بالمرارة وأنا أشاهد الصور التى تناقلتها وكالات الأنباء والصحف العربية والأجنبية.. ويقف فيها عتاة الإجرام الصهيونى وهم يتحدثون عن «السلام الدافئ» والتسامح. تخيلوا.. أصحاب السجل الإجرامى الحافل بالمذابح والمجازر، هم من يحدثوننا اليوم عن التعايش المشترك بين الشعوب، فى الوقت الذى تتناقل فيه وسائل الإعلام العربية والغربية استعدادات الولاياتالمتحدةالأمريكية الشريك الأساسى للصهاينة لنقل سفارتها إلى القدسالمحتلة، وتصفية القضية الفلسطينية فى ذكرى النكبة العربية. لقد وقف دافيد جوفرين سفير دولة الاحتلال الصهيونى خلال الحفل المشئوم بالقاهرة، يتحدث عما أسماه ب«معركة السلام»، والعيش المشترك، فى الوقت الذى كانت تستعد فيه «إسرائيل»، لتوجيه ضربات جوية وصاروخية ضد أشقائنا السوريين، رفقاء حرب أكتوبر المجيدة، وهو ما جرى بعد ساعات من الاحتفال. هى ليست دعوة للإحباط.. لكن اشرحوا لأطفالكم طبيعة هذا الكيان الاستيطانى التوسعى الذى يطمع فى تكوين دولته من النيل للفرات، ذكروهم بضحايا الصراع المستمر منذ أكثر من سبعين عامًا.. قولوا لهم إن ما يسمى ب«السلام مع إسرائيل» مجرد «هدنة» مهما طالت، وإن صراعنا مع العدو الصهيونى صراع وجود وليس صراع حدود.. وإن الأمر ليس فقط مجزرة هنا أو مذبحة هناك.. لكن الأرض واحدة وطالب الأرض اثنان.. وإن المعركة مستمرة حتى لو اتخذت أشكالا غير عسكرية.. وإن مصر هى الهدف. حافظوا على رصيد العداء كامنًا فى الصدور، وعلموهم أن «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة»، وأن «المقاومة هى الخيار الاستراتيجى»، وبدونها لن يكون هناك تحرير للأرض أو حفاظ على الشرف والعرض.