في ظل حرص كل المصريين الوطنيين المخلصين خاصة الإصلاحيين منهم على نهوض مصر وإنطلاقها لمكانتها الريادية في صفوف دول العالم المتقدم كان لابد من الإستعانة بخبرات قيمة وقامة عظيمة يفخر به كل مصري وهو العالم الكبير الأستاذ الدكتور فاروق الباز عالم الفضاء وأستاذ الجيولوجيا ومدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في مجالات الجيولوجيا والجغرافيا بجامعة بوسطن في أميركا، وكان مستشاراً علمياً للرئيس الأسبق السادات والآن مستشاراً للرئيس السيسي، عمل الدكتور فاروق الباز بمعامل بلّ بواشنطن كمشرف على التخطيط للدراسات القمرية واستكشاف سطح القمر، وفي خلال هذه السنوات اشترك في تقييم برنامج الوكالة الوطنية للطيران والفضاء "ناسا" للرحلات المدارية للقمر، وقام برعاية عمل رواد الفضاء من وجهة جيولوجيا القمر في إطار برنامج أبولو 1967 حتي 1972 وكان خلال تلك السنوات الست سكرتير لجنة اختيار مواقع الهبوط على القمر ورئيسا لمجموعة تدريب الرواد وتصوير القمر، وتخصص تدريبه لرواد الفضاء في انتقاء عينات مناسبة من أحجار القمر وتربته بغرض إحضارها إلى الأرض لتحليلها ودراستها، وحاز إعجاب رواد الفضاء العاملين معه حيث كان يتميز بشرح شيق ويسهل فهمه، ويشهد له ماقاله رائد الفضاء لبعثة ابولو 15 ألفريد وردن أثناء وجوده في مدار حول القمر حيث كان يقود مركبة الفضاء، قال : " أتذكر شرح "الملك " للقمر - وهو اسم د.فاروق المتداول في ناسا – حين قال أشعر كما لو كنت هنا من قبل، شغل فاروق الباز منصب رئيس أبحاث التجارب الخاصة بالمراقبات الأرضية من الفضاء والتصوير وذلك في مشروع الرحلة الفضائية المشتركة أبولو – سويوزعام 1975، ومن أهم الكتب التي ألفها وتدل أسمائها على اعتزازه بمصريته "النجوم المصرية في السماء"، "من الأهرام إلى القمر"، "الفتى الفلاح فوق القمر"، ولد فاروق الباز في يناير1938 بمحافظة الدقهلية، فهو من الجيل الذي تأسس على العلم والفضيلة وتابع كل التطورات والتحولات عبر العقود الأخيرة وله رؤية مقارنة زمنية كما أن له رؤية مقارنة مكانية مع مصر ودول أخرى حيث أنه يعمل منذ زمن طويل في مجال البحث العلمي بالدول المتقدمة علمياً ويواكب أحدث ما وصل إليه العلم والتعليم في العالم. وبتلك الرؤية الثاقبة النقدية المقارنة المتميزة يمكننا أن نستنبط من عالمنا الكبير د.فاروق الباز ماالذي ينقص مصر لتلحق بركب الدول المتقدمة، مما دفعني للمناقشة معه في مستقبل مصر خاصة في العلم والتعليم وسط كل مايلاحقها من تحديات، وحينما تحدثت معه وجدت شخصية رجل مصري أصيل تحمل مزيج من الخبرات المتوارثة من الوطن الأصيل كالقيم النبيلة المصرية مع الخبرات العلمية والثقافية المكتسبة من تفوقه العلمي وجولاته حول العالم والاستعانة به للنهوض علمياً بدول كثيرة مثل ماليزيا وغيرها فضلاً عن مايتميز به من التلقائية ودماسة الخلق والتواضع والوطنية رجل من الزمن الطيب الجميل وفي نفس الوقت عالماً كبيراً ملاحقاً للتقدم العلمي في العالم فضلا عن الوعي السياسي والثقافي وعلمه التام بأمور السياسة الدولية والحياة السياسية والاجتماعية بمصر وكأنه يعيش بها، مما جعلني أكثر فخراً بأننا لدينا في مصر رمز وعالم وإنسان يضاهي أفضل علماء العالم علماً وخلقاً. البعض طلب مني قبل اللقاء أن أسأله عن رأيه في السياسة الأمريكية ورأيه في بعض المسائل الفقهية لكني وجدت أنه ليس أبداً من المهنية أن أسأله هذه الأسئلة لأن معظم الدول المتقدمة علمياً هي دول استعمارية ولها مطامع في منطقة الشرق الأوسط فلا يجب أبداً الخلط بين العلم والسياسة إلا في الأمور العلمية المتعلقة بالتخصص العلمي له، وكذلك لايجب أن نسأل رجال العلوم في الشئون الدينية أو رجال الأديان في التخصصات العلمية إلا في إطار الإعجاز العلمي في الكتب السماوية، وتعمدت أن أتجنب ذلك ألا أخرج في الحديث عن تخصصه كرجل علم ومستشار للرئيس والاستفادة من خبراته العلمية فيما يحقق النهوض لمصر فهو ليس رجل دين أو سياسة فأنا في حضرة رجل علم عالمي قدير، وركزت الحديث عن مستقبل مصر خاصة في التعليم والبحث العلمي، وكان لي معه هذا الحوار. في البداية وحول تكريم جامعة عين شمس له منذ أيام في مؤتمرها السنوي السابع بعنوان عالمية وإنطلاق وتسليمه الدكتوراه الفخرية ودرع الجامعة قال وبكل ولاء وامتنان لجامعته إن المؤتمر كان متميزاً جداً وأعتبر تكريم جامعة عين شمس لي هو أعظم تكريم حصلت عليه على الإطلاق، وأهم من تكريم ناسا حينما حصلت على جائرة الامتياز العلمي والتكنولوجي من ناسا، وأهم عندي من تكريم جميع الهيئات العلمية لي في أميركا وفي جامعات أخرى مختلفة، لأن هذا التكريم من جامعتي الأصلية التي تخرجت منها والتي اعتبرها بيت الأصل بالنسبة لي، وأساتذتي بالجامعة هم أول من علموني وصنعوني، كما أشاد بإدارة الجامعة المتمثلة في رئيس الجامعة والنواب الحاليين بأنها جامعة مستنيرة ومتفتحة وتعمل على الدوام لرفعة الجامعة ورفعة طلابها، ولذلك فالجامعة تتطوروتتقدم وقد حصلت مؤخراً على 4 نجوم هذ العام، وبذلك تكون أعلى جامعة في مصر وتمنى لها أن تحصل العام القادم على 5 نجوم مثل كبار جامعات العالم. وعندما سألته عما ينقص مصر في رأيه لتلحق بصفوف الدول المتقدمة خاصة في التعليم والبحث العلمي قال ما ينقصنا هو أن يشعر الشعب بأن فعلاً الحكومة تعمل للصالح العام وأننا منذ 50 عام والشعب لم يشعر أن الحكومة تعمل لصالحه بل لديه شعور بأنها تعمل لصالحها، وأن علينا أن نغير هذه المنظومة وطريقة كلام الحكومة بأن يكون هناك كلام مباشر وواضح بين الحكومة والشعب، وأكد أن المشكلة الرئيسية أن الحكومة في مصر تتحكم في الأمور والناس، بينما في البلاد المتقدمة الحكومة تخدم الناس، وأضاف عندما كنت في ناسا كان منصبي اسمه Civil service أي خادم المجتمع كان هذا معنى عملي ووظيفتي، وكل مواطن في كل مكان في الدولة تلك مهمته، فهذا المفهوم لابد من تعميمه في مصر وتعديل المفهوم أولاً من التحكم في المجتمع إلى خدمة المجتمع والناس، وأكد أنه يتمنى لوطنه مصر أن يكون أفضل وطن وأنه يأتي كل شهر إلى مصر من أجل ذلك، وحول البحث العلمي أشار إلى أنه لابد أن نبحث فيما تحتاجه المصانع والناس لنتابع مايفعلوه ويحتاجونه كي يقوم الباحثون بعمل أبحاث لخدمتهم ولخدمة الصناعة وكذلك في كل مجالات البحث العلمي وتطبيق الأبحاث، وأنه لابد من دعم الباحث مادياً ونفسياً وعلمياً فهذا مايحدث في الدول المتقدمة،وتموله غالباً الجهات التي ستستفيد من بحثه، هذا لابد أن يحدث في مصر، لكن كما ذكرت سلفاً عن التحكم هذا أيضاً يحدثه البعض في مجال البحث العلمي وللأسف نجد لدينا بعض الأساتذة ممن يكسر مجاديف الباحث بدلاً من الأخذ بيديه وتوجيهه، ففي العالم المتقدم حتى الباحث الضعيف نشجعه ونساعده إلى أن يقوى ويتعلم ونورثه العلم وأحياناً أجد باحثين يخطئون فلا أحبطهم بل أشجعهم ليحاولوا مرة أخرى ثم افتخر بهم بعد ذلك أنهم طلابي، واستطرد كلامه يجب أن نطور من أنفسنا بأن نحدد المشكلات ثم علينا إصلاح كل ذلك. وأكد العالم الجليل أنه لدينا الأمل لتحقيق التقدم والإعتناء بالبحوث والباحثين فكثير من الدول التي كانت غير متقدمة علمياً وكانت أقل من مصر بكثير منذ ستين سنة تقريباً خططوا لإصلاح التعليم والآن تقدموا مع الزمن مثل سنغافورةوماليزياوكوريا الجنوبية واليابان، ونحن تخلفنا مع الزمن، علينا أن نعترف بذلك ثم ننطلق للإصلاح ونثق بأنفسنا وحضاراتنا ونفخر بأجدادنا وعلى كل مواطن أن يتقن عمله بضمير وإخلاص مهما كانت مهنته عامل بسيط أو فلاح أو مدير كل المهن، وأنه من الأخلاق أني أقوم بعملي على أحسن وجه وبكل إتقان لأحلل الراتب الذي أتقاضاه، وأوضح أن هذا دور النخبة والمسئولين والإعلام في تغيير المفاهيم وعمل ثورة علمية فكرية إصلاحية جديدة. فعلى المصريين أن يقولون نحن في مركز كبير كوننا أبناء مصر أولاً وعلينا أن نحترم مكانتها، فمصر كبيرة وأكبر منا ولو عملنا جيداً وكل فرد بذل أقصى مايستطيع وكان سعيداً وراضياً بعمله سنعيدها لمكانتها، ولابد أن نغرس في الطلاب من الأسرة مفهوم إنك لازم تتعلم مش مجرد تنجح فالهدف هو التعليم وليس النجاح فقط كي تعلم الآخرين وتنقل العلم لهم فالعلم يورث، والعلم دون أن ينتقل للآخرين ليس له فائدة. وحول إنطلاق مصر نحوعلوم الفضاء قال لدينا مركز استشعارعن بعد لعلوم الفضاء في مصر منذ عام 1972 لكنه يعمل بلا إنتاج، في حين الآن دول عربية تتقدم فمثلاً أنا عضو اللجنة الاستشاري في الإمارات في المشروع الفضائي، وأن الإمارات بعد 4 سنوات ستبعث بسفينة إلى المريخ تدرس الغلاف الجوي للمريخ ، وعلينا أن نساعد أنفسنا في مصر، وقال ذهبت إلى رئيس مركز أبحاث الفضاء وطلبت بعثة لمصريين فكان سؤال المصريين كم سنأخذ من المال وليس النهم بالبحث العلمي، التفكير أصبح مادي علينا أن نرى سلبياتنا ونقر بها ومن ثم نصلحها، وندعم بعضنا بعضاً ،فعلى رئيس أي مجموعة يدعم جميع العاملين بما فيهم أقل عامل فمثلاً الفراش إذا أتقن عمله لابد من تكريمه وتقديم التحية له، حتى يرى الكبير قبل الصغير أن من يتقن عمله يكرم مثلما تم تكريم الفراش. وأكد مرة أخرى بأنه لابد من تغيير مفهوم الإدارة والوزارة والحكومة بأنها لا تتحكم في الناس بل تخدمهم. ثم تطرقنا للحديث عن هل هناك إمكانية من خلال دور الاستشعار عن بعد عن طريق فروع نهر النيل في وجود بدائل لحل أزمة سد النهضة فقال مايقال حول أخذ مياه من نهر الكونغو تخريف ليس له أساس علمي على الإطلاق، نحن تأتينا مياه النيل من الجنوب وأن علاقتنا مع إثيوبيا لابد أن تكون علاقة أخوية وتعاونية ونبني معها سد يخدم مصالحها مع مصالحنا ولا نتركهم وحدهم فيستقطبهم أعداء الوطن، وحصة مصر في المياه حسب القانون الدولي لابد من احترامها بالتعاون والود معهم ومع السودان، ونقول لهم عندما تملأ السد تملأه بمعدل هاديء حتى لا تؤثر على كمية الماء. وذكر أن الزعيم عبد الناصر حرص على بناء علاقات وطيدة بين مصر وأفريقيا وبين مصر والعرب وأن تلك العلاقات ضعفت من بعد ذلك ، وأن الرئيس السيسي يتفهم ذلك ويحاول أن يصلح تلك العلاقات الحيوية خاصة مع السودان وإثيوبيا ونجح في ذلك، وأوضح أن اليوم مجموعة من وزارة الخارجية المصرية يعملون مع نظرائهم من الخارجية في إثيوبيا يتم ملأ السد بما لا يضر غيرهم وأكد أن هناك تعاون بين العلماء والمهندسين من الدولتين، بحيث كل دولة تأخذ حصتها من المياه دون الضرر بغيرها. وحول التحديات العالمية التي تواجهها مصر قال لو نحن أقوياء ومركز عربي ريادي قوي لن يستطيع أحد تهديدنا ووصف من يخاف بأنه "خايب"، وأوضح أنه يناقش كل تلك القضايا مع الرئيس السيسي من أجل النهوض بمصر، ولكن بعض الأمور صعب تحقيقها في التو واللحظة فمثلاً إصلاح التعليم في مصر يحتاج مالا يقل عن عشر سنوات، فكل الدول التي وضعت خطة وأصلحت تعليمها لم تقل عن 10 سنوات، وذكر عندما كنت مستشاراً عند مهاتير محمد رئيس ماليزيا وذهبنا إلى كوريا الجنوبية وجدنا لدينا ميزانية معينة قلنا لازم نصارح الناس ونقول لهم لن ننهض إلا بإصلاح التعليم، لكن نستخدم الميزانية كلها في التعليم نحتاج 7 سنوات نمول التعليم فقط ونتحمل فالعلم أهم شيء، وفي كوريا الجنوبية بعد 11 سنة ، وليبيا أرادوا يعملوا نهر صناعي عظيم وأنبوبة 4 متر وتقدمنا بمقترح وكان أرخص من المقترح من انجلترا وكسبنا، وكل أولادنا المتعلمين تعليم جيد وصنعوا كل التكنولوجيا عملوا في كل المجالات وتحملوا حتى عدم زيارة عائلاتهم، هؤلاء صنعوا كل التكنولوجيا في بيتك من ثلاجة وغسالة وكل شيء، فعلينا أن نتحمل، وختم حديثه بأن اختصار كل ذلك بأن علينا أن نبني وندعم أبنائنا ونتبناهم علمياً حتى ننطلق.