طالب مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، بتكاتف كل أطياف المجتمع في مواجهة التشدد والتطرف والإرهاب، معتبرا ذلك السبيل الوحيد للخروج من الأزمة والانتصار على الإرهاب. وقال المفتي - في كلمته التي ألقاها في مؤتمر (مكافحة التطرف) المنعقد في العاصمة الباكستانية (إسلام آباد) - "علينا أن نؤسس لثورة فكرية ودينية تقضي على جذور سرطان الإرهاب وبقاياه المعششة في العقول جراء الخطاب الديني المتشدد"، واصفا ذلك ب"المعركة الكبرى والأهم في صناعة مستقبل وطن لا تنشط فيه خلايا التطرف والإرهاب من جديد". وأشار إلى ضرورة صنع مستقبل ديني أشبه بالماضي العريق وحضارته الراقية، حيث انفتح المسلمون على آفاق العلوم والحضارة البشرية واستفادوا منها وأفادوها، وشغلوا أنفسهم ببناء الحضارة وترسيخ قيم الجمال وتشييد معالم العمران في كافة مناحي الحياة. وأضاف: أصبحنا نعاني من حالة استعداء وتشويه غير عادية ضد الإسلام تشنها كثير من وسائل الإعلام الموجهة وتمارسها خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما أعقبها من أحداث إرهابية في الشرق والغرب. وتابع: بغض النظر عن نيات هذه الوسائل الإعلامية، فعلينا أن نعترف أن كثيرًا من التنظيمات الإرهابية المجرمة التي تنسب نفسها زورًا وبهتانًا إلى الإسلام قد مارست بحق هؤلاء من أعمال إرهاب وقتل ما لا يرضى عنه الإسلام البتة، ومهما تبرأنا من هؤلاء ومن أفكارهم ومهما استنكرنا أفعالهم فإننا نظل ملزمين أدبيًّا وأخلاقيًّا ودينيًّا تجاه العالم أجمع بأن نصحح ما ألصقوه بالإسلام من كذب ومغالطات. وأشار المفتي إلى أنه "لم يعد بوسعنا إلا أن نتفاعل مع الناس فنجيب عن الأسئلة ونرد على الشبهات بما سجلته خبرتنا التاريخية وبما تعلمناه وتدربنا عليه في القديم والحديث، وبما حفظناه وحافظنا عليه من الأصول والقواعد، التي منها: أن الدين منه الثوابت التي لا تتغير ومنه ما يجب أن يراعي الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، ومنها: أن الإسلام أكبر من أي مذهب أو توجه سياسي أو حزبي، ومنها: أن الجانب الأخلاقي جزء أساسي من ديننا تناوله ثلثا نصوص الشرع الشريف وراعاه الثلث الباقي". وأوضح أن "علينا التعامل مع واقعنا الذي جمع بين سماوات مفتوحة وانتشار غير مسبوق للتواصل، خصوصًا عبر ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي ومسارعة كثير من المتطرفين لاستغلال هذا الواقع لمصلحتهم وأغراضهم". وأردف المفتي بالقول: إن دار الإفتاء المصرية أسرعت في اتخاذ حزمة من الإجراءات التي تجدد الوسائل بعد تجديد المقاصد، فتوسعت دار الإفتاء المصرية - من وقت مبكر - في استخدام وسائل التواصل المعاصر عبر اللغات الحية في العالم حتى وصل الخطاب إلى ما يقارب ثمانية ملايين مخاطب، إلى جانب الرحلات الخارجية لي ولعلماء الدار لبيان الصورة المشرقة للدين والرد على الشبهات. وأشار إلى أن الدار أنشأت - كذلك - كيانًا جامعًا مقرُّه القاهرة بمقر دار الإفتاء وهو الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ليكون وصلًا حقيقيًّا جامعًا بين المعنيين المؤهلين بأمر الفتوى في العالم، فاجتمعوا وتشاوروا، وكان أول ما ظهر من مشكلات الخطاب الإسلامي هو مشكلات الأقليات الإسلامية. وحذر مفتي الجمهورية من "الآثارِ السَلبيةِ التدميريةِ التي تسببت عنها موجة الفتاوى المضللةِ المنحرفةِ التي تصدر عنْ أشخاصٍ وجهاتٍ غيرِ مسئولةٍ وغيرِ مؤهلةٍ وهو ما أضر بالمجتمعَ العالمي كثيرًا، مبينا أن السنواتِ الأخيرةَ قد شهدت موجةً غيرَ مسبوقةٍ من التكفيرِ والعنفِ والإرهابِ في العالم كله، عانينا منها في مصر وواجهناها بكلِّ قوةٍ وعزيمةٍ وشرفٍ سواء على المستوى العلمي الذي تقومُ به المؤسساتُ الدينيةُ كالأزهرِ الشريفِ ودارِ الإفتاءِ المصريةِ، أو على المستوى الأمني الذي تقومُ به القواتُ المسلحةُ المصرية الباسلةُ وكذلك رجالُ الشرطةِ الشرفاءُ، ولقد بذلت مصرُ- وما زالت- من دماءِ أبنائها الشهداءِ ما سوف يحفظه التاريخُ في صحائفَ من نورٍ". وطالب أهلِ العلمِ وحرَّاسِ الدِّينِ والعقيدةِ بتَصحيحِ المفاهيمِ المَغلوطةِ وَصَدِّ الأفكارِ المتطرفةِ ونشرِ قِيَمِ الدِّينِ الصحيحةِ السمحةِ.