سيظل الحديث عن ترشيد استهلاك المياه حديثًا مهمًا، تفرضه طبيعة الظروف التى تمر بها مواردنا المائية من احتمالات للشح المائى سواء بفعل التغيرات المناخية، أو بسبب نقص حصة مصر من المياه من نهر النيل، والتى استجدت فيها مؤثرات طارئة بفعل إقامة أثيوبيا لسد النهضة، ومن ثم فإننا لابد أن تشغلنا قضية المياه أكثر من أى وقت مضى، غير أن السلوكيات التى نلحظها فى حياة غالبية المصريين لا تمت بأى صلة للاتجاه نحو الترشيد فى استخدام المياه، أو مجرد حتى الشعور بأهميتها. كميات المياه التى تهدر يوميًا فى الشوارع لغسل السيارات ورى الأشجار ورش الأرصفة، تعكس حالة ميئوسًا منها من غياب الوعى بشريان الحياة، ومع غياب الضوابط والعقوبات، تمادى بعض من يجهلون خطورة الأمر فى تصرفاتهم غير المسئولة،غير اننا استبشرنا خيرا بقرار محافظ الجيزة، ب«تطبيق غرامة مالية قدرها 500 جنيه، لغير الملتزمين بترشيد المياه والإسراف فى استهلاكها، مثل ترك خراطيم المياه المفتوحة فى الحدائق، وغسل السيارات فى الشوارع، و رش المياه أمام المحال وغيرها من صور الإسراف»، ونتعشم أن يتم تنفيذ هذا القرار فى أسرع وقت، وألا يلحق بسابقيه من القرارات التى لم تر النور وأصبحت مجرد حبر على ورق. لقد حبا الله مصر بنهر تتدفق مياهه، فتفيض خيرًا على الوادى بأكمله، لم يبذل المصريون جهدًا فى الحصول على مياه الشرب، ولكنهم وجدوها يسيرة، وبالتالى لم ينتبهوا إلى خطورة الإسراف فيها، ولم تنجح الجهات المعنية فى نشر ثقافة الترشيد، وأقتصر الأمر على وعى وثقافة كل مواطن على حدة، ففى حين يمتنع البعض عن استخدام خراطيم المياه فى غسل السيارة أو مداخل وسلالم العمارات، ويستبدلون بذلك وسائل تنظيف تعتمد على القليل من المياه، فإن البعض الآخر لا يتوانى عن فتح صنبور المياه بشكل مستمر أثناء تنظيف الأوانى، أو خلال تنظيف السيارات أو رى الأشجار وهكذا، وكأنهم اعتمدوا الإسراف منهج حياة. الغريب أنك عندما تحاول أن تكون إيجابيًا، وأن تلفت نظر أحدهم إلى خطورة تصرفه، فإنك تواجه برد فعل مستنكر ومستهجن هذا التوجيه، وهو ما يجعلك تصرف النظر عن فكرة التوجيه فيما بعد. نهر النيل يعانى هو أيضًا الاهمال فى التعامل معه، فكم من المخلفات التى تلقى به عن عمد، دون أن نلحظ تقدمًا فى تراجع هذه المخلفات مع مرور السنوات، وهو ما يؤشر إلى وجود خلل فى مجابهة تلوث مياه النيل والحفاظ عليه من ناحية وترشيد استخدام مياه النيل من ناحية أخرى.. وكلها أمور لو نعلم عظيمة لأنها ترتبط بسر حياتنا.