منذ بدء الخليقة والأمم والشعوب تحتاج لحاكم يسوس أمورها، فمنهم من سطر اسمه بمداد من نور في التاريخ، ومنهم من راح في غياهب النسيان. وقليل من هؤلاء الحكام من استحق أن يسبق اسمه لقب "الزعيم" ، وأشهر من استحق هذا اللقب بلا منازع الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر الذي تهل ذكرى مولده هذه الأيام، وهو من نجح في أن يعيش في قلوب ووجدان الأمة العربية كلها منذ تولى رئاسة مصر حتى الآن وستظل ذكراه العطرة باقيةفي ذاكرة الأمة.
تولي الزعيم الحكم في بدايات الخمسينات، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، في عالم يحكمه قطبان، ووسط قوى تصعد وأخرى تفنى وحركات تحررية غزت القارات الست. وكان لزاما عليه أن ينقل أفكاره الثورية التحررية لجموع المصريين أولا فالعرب ثانيا وأخيرا لدول أفريقيا. فكانت الوسيلة التكنولوچية الوحيدة المتاحة في هذا الوقت هى الإذاعة، والتى كانت موجودة بالفعل منذ بداية الثلاثينيات، إلا أن ارتباط الشعب بها كان من أجل سماع الشيخ محمد رفعت وكوكب الشرق أم كلثوم.
لهذا أصدر جمال عبدالناصر قرارا بإطلاق إذاعتى صوت العرب وصوت أَفريقيا من القاهرة ، بهدف تحقيق حلم القومية العربية ، فانطلقت اذاعة صوت العرب في 4 يوليو 1953 م ، وكانت من أول وأشهر وأقوى الإذاعات المصرية التى بثت لجميع الأقطار العربية ، وكانت وسيلة مهمة وأساسية استخدمها عبدالناصر لبث خطاباته حول الوحدة العربية ومناهضة الاستعمار الأجنبى للبلدان العربية، وكذلك شبكة الإذاعات الموجهة المختصة بالدول الأفريقية والشبكة الثقافية، وشبكة القرآن الكريم، وكان توجه تلك المحطات هو إرساء مبادئ القومية العربية والتحرر الأفريقي، فكانت سبباً لتوصيل صوت وفكر عبدالناصر من خلال بث خطاباته وأحاديثه إلى جميع البلدان العربية والأفريقية، فكانت صوت العرب أقوى من الإستعمار الإنجليزي فى الخليج العربي وأقوى وأشد من الإستعمار الإيطالي والفرنسي في المغرب العربي وأشد قوة من قاعدة هويلس الأمريكية في ليبيا.
أما صوت أَفريقيا فكان بثها بجميع اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية واللهجات الأفريقية، وفى النصف الثانى من شهر أكتوبر عام 1956 أُعلن من جميع برامج الإذاعة المصرية أن الرئيس جمال عبد الناصر سيحضر مؤتمر القمة الأفريقية الذى سينعقد فى أَكرا عاصمة غانا فى الفترة من 21 إلى 26 أكتوبر 1965 م بعد تسع سنوات من تأميم قناة السويس وإنتصار جمال الزعيم التحرري الثورى الشاب. وأنهى ناصر زيارته بمالى وغينياوغانا بعد مؤتمر القمة الأفريقية وكان فى إستقباله الزعماء الأفارقة أحمد سيكو توري زعيم غينيا والزعيم الغاني كوامى نكروما الذي زوجه عبد الناصر من فتاة مصرية أنجبت له ولده الوحيد جمال تيمنا بالزعيم وهو صحفى بالأهرام. ويوم وصول جمال فوجئ باستقبال جماهيرى حاشد، دعمته قبائل هذه الدول.
وفي هذه الآونة مثلت الإذاعات المصرية الموجهة إحدى دعامات استقلال الجزائر الشقيقة، فكانت تبث خطابات ورسائل زعيم المقاومة الجزائرى أحمد بن بيللا الذي كان مقيما بالقاهرة وعلى رأس حكومة المنفى. وأسهمت الإذاعة المصرية بشكل كبير فى تأسيس العديد من الإذاعات العربية، التى كانت أيضا منبراً لتوصيل رسائل عبدالناصر عن القومية العربية للشعوب المطالبة باستقلالها. فعبدالناصر كان يعد نجما من نجوم الراديو ، فصوته كان جميلا جذاباً وكان دوما ما يخاطب الجماهير العربية بلغة رجل الشارع البسيط، حتى أنه قيل وقتها أن الأمة العربية تنتظر خطاب الزعيم المفوّه لدرجة ان المظاهرات كانت تعم أرجاء المنطقة من المحيط إلي الخليج تفاعلا مع ناصر وكلها قطعا كانت مظاهرات عفوية تأثرا بكلمات ناصر.
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نقول أن الأمة العربية لن تنسى يوم 15 يناير عيد ميلاد الزعيم الخالد جمال عبدالناصر حبيب الملايين وأمير الفقراء وناصر المظلومين، الذى آمن بفكره الملايين فشعروا بأنه الأب والابن والأخ ومبعث الفخار لكل عربي. إنه رجل مصرى بسيط لكنه حفر اسمه فى تاريخ وقلوب الملايين بحروف من نور لا يمكن أن تنطفئ أبدا.