جاء إعلان وزارة الثقافة والإعلام بالمملكة العربية السعودية، منذ أيام، بإصدار تراخيص للراغبين فى فتح دور للعرض السينمائى فى المملكة، فى مطلع عام «2018»، بمثابة «حجر ضخم» أُلقى فى بحيرة من الزمن الراكد، لتتجاوز تداعياته حدود المملكة، التى عاشت عقودًا طويلة من الانغلاق الفنى، بحكم أنه مجتمع مسلم شرقى محافظ، يتسم بالعادات والتقاليد «شبه المغلقة»، لذا جاء القرار ليمثل «جرسًا» يقرع «رنينه الناعم» فى الأوساط الفنية بكافة أرجاء العالم العربى، وتتشعب الأصداء لتصل إلى مواقع التواصل الاجتماعى، بتدشين «هاشتاج» على «تويتر»، يحمل اسم «افتتاح دور سينما بالرياض». ويرى «مراقبون»، أن المملكة تدخل مرحلة جديدة، باتجاه طفرة غير مسبوقة، نحو الحداثة، فى أعقاب إعلان وزارة الثقافة السعودية، لهذا القرار، الذى يحمل فى طياته تفاصيل مهمة، تدشن «حقبة فنية» جديدة، بعد سنوات من الانقطاع «المقصود»، خاصة أن مجرد الحديث عن إنشاء دور عرض سينمائى على أرض المملكة، كان «شيئًا محرّمًا»، ويدخل ضمن «الموبقات»، على حد تعبير بعض المتشددين، فى الماضى القريب، لدرجة أن المؤرخ السينمائى الفرنسى «جورج سادول» ذكر فى كتابه الشهير «تاريخ السينما فى العالم»، أن السعودية كانت عام 1965، الدولة الوحيدة فى العالم العربى التى يجهل سكانها رسميًا، كل شيء عن السينما. ويؤكد «المراقبون»، أن ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، يقفز بدولته نحو عالم متطور، أكثر تماشيًا مع العصر الحديث، وظهرت «نوايا التحديث» منذ أسابيع، بصدور القرار الملكى بالسماح للمرأة، بقيادة السيارات، الأمر الذى أحدث ضجة هائلة فى المجتمع السعودى، ثم السماح بتنظيم حفلات غنائية وفنية، داخل مدن المملكة. ومن المقرر البدء فى منح تراخيص دور العرض السينمائى، عقب الانتهاء من إعداد اللوائح الخاصة بتنظيم العروض المرئية والمسموعة فى الأماكن العامة بالمملكة، فى غضون الثلاثة أشهر المقبلة. ولو حاولنا الرجوع «فلاش باك»، للسينما السعودية، سنجد أن جذورها تمتد إلى حقبة الثلاثينيات، من القرن الماضى، حيث كان أول من أدخل دور العرض السينمائى على أرض المملكة، هم موظفو «الغرب»، فى شركة كاليفورنيا العربية للزيت القياسى، التى تحول اسمها فيما بعد، إلى شركة «آرامكو»، وأنشأوا دور عرض سينمائى خاصة بهم داخل نطاق تجمعاتهم السكنية «المغلقة عليهم»، لم يكن مسموحًا للسعوديين دخولها، وظل الحال كذلك حتى مطلع السبعينيات، حتى حدثت طفرة جديدة، بإنشاء «صالات سينمائية»، داخل الأندية السعودية، والمنتديات الثقافية، وفى بعض القصور التى تملكها كبرى العائلات، فى الرياضوجدة والطائف، ولم تكن «دور عرض سينمائي» بالمعنى المتعارف عليه تنظيميًا وتقنيًا وتسويقيًا. وعقب احتلال الحرم المكى، فى منتصف الثمانينات، اضطرت الحكومة السعودية لإغلاق دور العرض السينمائى المتاحة للمواطنين، فى محاولة لاحتواء غضب التيار الإسلامى داخل المملكة، وقتذاك. وكان ظهور أول فيلم سعودى للنور، عام 1950، بعنوان «الذباب»، قام ببطولته أول ممثل سينمائى سعودى يدعى «حسن الغانم»، ورغم إنتاج التليفزيون السعودى، فى منتصف الستينات، بإنتاج أول فيلم تليفزيونى، إلا أن البداية الحقيقية للإنتاج السينمائى بالمملكة، بفيلم حمل عنوان «تأنيب الضمير»، فى عام 1966، وبعد قرابة «10» سنوات، يظهر فيلم تسجيلى بعنوان «تطوير مدينة الرياض»، تلاه فيلم روائى قصير، أشبه ب«عرض درامى وثائقي» بعنوان «اغتيال مدينة»، جسَّد معاناة مدينة بيروت خلال الحرب. وفى ظل صعوبة إيجاد حصر موثق، وظهور حالة من «البيات الفنى التام»، خلال حقبة التسعينيات بالكامل، إلا أن ثمة إحصائيات لأفلام سعودية، أنتجت فى الفترة بين «1977—2012»، تشير إلى أنها ربما تقارب ال«250» فيلمًا، كان معظمها أفلامًا قصيرة ووثائقية، وتليفزيونية، ورسوم متحركة، وعددًا من الأفلام الكوميدية والصامتة، والخيال العلمى، والرعب والأكشن. ورغم هذا العدد الهزيل، إلا أن أفلامًا سعودية، استطاعت أن تفرض نفسها على ساحة المهرجانات العربية والدولية، بل حصدت الجوائز، وكان أول فيلم سعودى يحصل على جائزة دولية هو الفيلم القصير «اغتيال مدينة» للمخرج السعودى عبدالله المحيسن، بينما كان آخر فيلم سعودى يتوج بجائزة دولية، حمل عنوان «حرمة». وكانت مفاجأة إعلان أكاديمية العلوم والفنون الأمريكية، عام 2013، ترشيحها للفيلم السعودى «وجدة»، لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبى، بمثابة قفزة هائلة، تحدث للمرة الأولى فى تاريخ المملكة، ليتم بعدها تدشين أول لجنة تعمل تحت مظلة حكومية، وهى «لجنة السينما السعودية» لنشر الثقافة السينمائية فى المجتمع السعودى، وخلق بيئة سينمائية بين صناع الأفلام، وتسهيل استخراج تصاريح التصوير، إلا أن قرارًا صدر ب«حل اللجنة»، قبل أن تكمل عامها الأول، فلم يتبق أمام السينمائيين السعوديين الشباب، إلا اللجوء لشبكة الإنترنت، لتدشين مواقع ومنتديات سينمائية، كمتفس لهم لعرض أفلامهم. وتوحدت أهداف الأوساط الفنية فى العالم العربى، لدى سماع الخبر «المفاجاة»، بإنشاء دور عرض سينمائى بالسعودية، وبالطبع فكر صناع السينما، فى كيفية اتخاذ خطوات جادة لاستثمار القرار السعودى، و«ضخ» المزيد من الأفلام، لتسويقها داخل المملكة، لأول مرة، عقب تراجع الفضائيات العربية عن شراء الأفلام، كما أثار شهية المنتجين، لزيادة عدد أفلامهم فى الوقت الراهن، لتوسيع دائرة «السوق السينمائي»، بالمعنى التجارى للصناعة، خاصة صناع السينما المصرية، التى تُعدُّ الأكثر رواجًا، منذ عشرات العقود الزمنية، بسبب اقتراب «اللهجة المصرية»، من قلوب المشاهدين العرب، على اختلاف لهجاتهم من المحيط للخليج، هذه اللهجة، ربما تكون «أهم الحواجز»، التى تعوق تسويق أفلام المغرب العربى، رغم أن السينما التونسية قفزت خطوات هائلة على الصعيد الدولى، وحصدت عشرات الجوائز من مهرجانات عالمية، بخلاف احتضان تونس لواحد من أهم مهرجانات السينما الدولية «قرطاج»، كما تتمتع الأفلام التونسية بتقنية عالية الجودة، فى حين أنها لا تمتلك أكثر من «12» دار عرض سينمائى فقط، بطول البلاد وعرضها، إلا أن لديها ممثلين استطاعوا حفر أسمائهم بقوة فى السينما العربية، وأبرزهم: هند صبرى، درة، ظافر العابدين، لطيفة، فريال يوسف، ساندى، بينما يظل «جرأة الفيلم التونسي»، من أهم «الأمور الحساسة» التى ربما تعوق التسويق السينمائى داخل المملكة، التى شدد وزير ثقافتها فى بيانه الأخير، أن الأفلام التى سيُسمح بعرضها فى دور العرض المزمع إنشاؤها، ستخضع لرقابة تحكم مشاهد هذه الأفلام، بما لا يخرج عن إطار العادات والتقاليد والثوابت الأخلاقية، والضوابط «الشرعية» التى تنتهجها سياسة المملكة. وربما تكون الفرصة سانحة، بشكل أكبر، أمام صناع السينما الخليجية، لتسويقها فى دور العرض السعودية المنتظرة، لاقتراب عاداتها، ولهجاتها من المجتمع السعودى «الخليجي»، ولتطور السينما الخليجية فى الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر، وخاصة فى دولة الإمارات، التى يوجد بها قرابة «200» دار عرض سينمائى، كما تحتضن بين جنبات «دبى مول»، أكبر دار عرض سينمائى فى الشرق الأوسط، وتحولت فى السنوات الأخيرة، إلى ساحة تصوير و«لوكيشن طبيعى هائل»، يقصده صناع أفلام هوليوود وبوليوود. ورغم أن السينما «القطرية»، تحتل المرتبة الثانية، فى قائمة صناعة الأفلام الخليجية، إلا أن «مراقبين» يتشككون فى استطاعة «الفن السابع»، التقريب بين دولتين، تتناصبان العداء علنًا، على الصعيد السياسى، وإن كان الأمر لا يبدو مستحيلًا بشكل مطلق، فقد استطاع صناع السينما الإيرانية، من منتجين وممثلين، ونقاد فنيين أيضًا، حجز مقاعد شبه دائمة على موائد المهرجانات السينمائية الدولية، برغم حساسية العلاقات السياسية لإيران مع العديد من الدول فى العالم العربى، وأوروبا أيضًا، بفضل التقنية الفنية المتطورة للسينما الإيرانية، التى عرفت طريقها إلى بلادها منذ بدايات القرن الماضى، برغم منع السلطات الإيرانية نفسها، لعدد من الفنانين والمخرجين، من ممارسة «السينما»، بسبب مواقفهم السياسية المعارضة للأنظمة الحاكمة، ولكن يبدو الأمر أكثر صعوبة، داخل المملكة، لتصاعد حدة الأزمة بين البلدين، سياسيًا ومذهبيًا، واندلاع شرارة «حرب خفية»، أشبه ب«نار تحت الرماد»، ربما ينفجر لهيبها فى أى لحظة.