أعشق حرية الاختيار، وأكره خلط الأوراق.. كلمة فولتير لمأثورة التي أهواها وأميل كثيرًا إلي ترديدها: 'مستعد أن أدفع حياتي ثمنًا لأن تقول رأيك'.. كل كادر في شريط حياتي، كان ولا يزال دفاعًا عن الحرية وعن الحق.. ما خشيت في حياتي فردًا ولا سلطة، إلا ربي سبحانه وتعالي وسنة رسوله. يومان مضيا، لم يكونا هما موعد كتابة مقالي.. ما دفعني للتبكير بالكتابة ما شاهدته علي شاشة إحدي الفضائيات.. شاهدت حوارًا بين اثنين من ضباط الشرطة الملتحين، يرتدون الملابس المدنية، وقد وقعا في خلاف مع إدارتيهما في شأن إطلاق اللحية.. تدارست الأمر مع نفسي أحاورها، مختلفًا معها مرة وأخري مؤيدًا لها، وحين رست سفينة تفكيري إلي رأي، قمت إلي مكتبي لأكتب الرأي الذي وصلت إليه قناعتي. حرية الإنسان لابد مكفولة في كل القوانين والدساتير والأعراف، وكذا حرية الملبس والمأكل والمشرب، علي رأس تلك الحريات، ولكل مجتمع في لباسه عادات وتقاليد.. في دول أوربا الشرقية، بلاد الثلج والأنهار المجمدة، يرتدون الملابس الإفرنجية ومن فوقها المعاطف ذات الفراء، ولباس الرأس الثقيل، لباس لا ينفع لدولة إفريقية أو آسيوية حارة، وإلا كنت مثار سخرية أهل هذا البلد.. ولا يليق لرجل دين مسلم أو العكس، يقف ويصلي علي جثمان من هو ليس علي دينه وعقيدته.. أن ترتدي ملابس القسيسين والرهبان، وتقف في قاعة محاضرات كلية أصول الدين بجامعة الأزهر تدرس لطلابها، أمر غير وارد.. ولا يجوز لطبيب بدرجة لواء شرطة أو قوات مسلحة، أن يسمح له بدخول غرفة العمليات إلا بلباس العمليات، وبعد ان يمر علي كل مراحل التعقيم، ويلبس القفاز الطبي الشفاف، هكذا يقول المثل لكل مقام مقال.. فإذا كنت ياصديقي الضابط، قد عشقت مهنة الشرطي، فلابد أن تحترم لباسها، ويجب ألا تذهب إلي قسم الشرطة ملتحيا وبالجلباب الأبيض القصير، وعلي رأسك بدلا من النسر شعار الدولة، ترتدي 'الغطرة' والعقال الأسود، أو حتي الطاقية، كذلك يحق لأخيك ضابط الشرطة المسيحي ان يعلق في مكتبه بقسم الشرطة، صورة العذراء وابنها المسيح صغيرًا علي يديها، أو صورة مارجرجس فوق صهوة جواده ومعه رمحه.. إذا كانت دقن الباشا سنة عن رسول الله فمن حق الضابط المسيحي أن يحمل الصليب في يده وهو يجري التحقيق.. تمامًا كما من حقك ان تؤجل التحقيق إذا حان وقت صلاة الفرض.. لو أن هناك بين الباشاوات الجدد، واحدًا علي المذهب الشيعي والآخر سني وثالث مسيحي ورابع بهائي، وتكرر ما جري في أقسام الشرطة والمحاكم وفي القوات المسلحة لاحترقت الدنيا.. تشابكت بالقول مع طبيب جراح، ملتح بطول متر راح يجري عملية جراحية لحفيدتي.. اللحية تحمل من تراب الشوارع المختلط بالمجاري ما يكفي لإبادة مدينة.. من أعراف غرف العمليات، اللحية ليست شرطًا في أصول عملية التعقيم، وليس لها غطاء كشعر الرأس، هل ترتاح لو أن راقصة خرجت علي الناس محجبة أو في لباس منتقبة، لأنها راقصة مسلمة؟.. وحسبنا الله فيمن يلعبون بالنار كحواة الشوارع لإلهاء الناس عن قضاياهم الحياتية ومشكلاتهم اليومية وهكذا تنشغل أجهزة الإعلام: مقروءة ومسموعة ومرئية بقضايا دقن الباشا ولباس الراقصة وملعونة هي قضايا الشعب والبسطاء.. إذا كنت تريد أن تحافظ علي سنة رسول الله وتطيل اللحية، وهذا أمر فيه قولان، وتخشي غضب ربنا سبحانه وتعالي، ففي مهنة الشرطة آلاف الأفعال التي ترضي بها ربك سبحانه وتعالي أقلها الابتسامة.. قبل أن تفكروا في إطلاق اللحية، لم لم تفكروا فيما أنزل الله في سورة قريش 'وآمنهم من خوف' حين تركتم أمن عباد الله وأنتم الأمناء علي أموالهم وأعراضهم وحياتهم وتركتموهم نهبًا للبلطجية والخارجين علي القانون؟.. أي الطريقين أقرب إلي الله: تربية اللحية أم حماية أمن وأعراض مخلوقات الله وهي المهنة التي منها رغيف العيش لأولادكم؟.. ومليون سلام وتحية ل..دقن الباشا.