"الرصيف " هل يمكن أن يكون أكثر حنانا على البشر من ذويهم وهل يحتضن هموم الغلابة ويعبر بهم الى الطمأنينة الغائبة ؟ سؤال راودنى وأنا أتحدث مع بعض من اختاروا الرصيف سنداً لهم بعد الله فى هذه الحياة. من هذه الحالات كانت الست " رحمة " التى تجلس دائما بجوار أحد الأماكن الهامة بوسط البلد جمالها الفتان أخفته تجاعيد الزمن الذى تخطى بها الستين من عمرها ورغم ذلك تتحامل على نفسها لتأتى يو ميا ا من حجرتها الصغيرة بأبى النمرس الى المكان الذى يعرفها فيها كل المترددين على المكان ليعطفوا عليها خاصة وأن لديها ابن شاب فى أواخر العشرين من عمره " عاجز " الحركة والنظر ويحتاج الى علاج مستمر وهو ما عرفته ممن يداومون التعامل مع الست "رحمة " التى خرجت الى شوارع المحروسة تبحث عن جنيه من المحسنين لاطعام نفسها وابنها بعد وفاة زوجها منذ سنوات وانشغال الأبناء والبنات فى أحوالهم دون أن يفكروا مرة فى السؤال عن أخ مريض وأم جاوزت الستين من عمرها أما الشاب حسين فلم يجد سوى محطة نصر الدين بالهرم ليقف بجوارها ليبع زيوت طبيعية للشعر " زيت سمسم وجوزهند ونخاع " ويبيع أيضا " صبار خام " يقوم بتقشيره أمام المارة واخراج السائل اللزج منه وبيعها " الزجاجة ب " 20 جنيه " حسين لم يجد سوى الرصيف ليقف يبيع عليه بضاعته دون خجل ومع ذلك يكمل دراسته بأحد المعاهد فكل أمله فى الحياة أن يكون قادرا على الانفاق على تعليمه ومن حسين الى اسلام الذى يعرفه أغلب المترددين على منطقة المهندسين حيث يجلس فى هدوء ليرسم ويكتب بعض الجمل اللطيفة ويبيعها لمن يمرون عليه منهم من أصبح زبونا دائما لاسلام ومنهم من تعجبه الفكرة التى يراها فكرة جديدة " للتسول " فى حين يعتبرها اسلام أكل عيش من هواية يحبها وينفق بها على نفسه حتى يجد عمل مناسب
الجدة الشقيانة أحيانا ينسى الأبناء ذويهم ولكن الحقيقة الثابتة أن الأمهات لا ينسون أبائهن وأن الجدات أبدا لا ينسون أحفادهم بل يتحملون المشقة للانفاق عليهم حتى أخر العمر ومن هؤلاء كانت الست أم عربى التى تعودت أن أراها عدة أيام فى الأسبوع تبيع الجرجير والملوخية وغيرها من خضار السلاطة وتصحبك بالدعوات " الحلوة " وأنت تشترى منها . حلاوة لسانها جعلتنى أقترب منها لأسأل عن أحوالها لأعرف منها أن لها ابناء وبنات وحفيدات لابنة متوفاة كانت أم عربى هى المصدر الرئيسى للانفاق عليهم وتزويجهن رغم أنها جاوزت السبعين من عمرها . وظلت أم عربى شقيانة على الأحفاد رغم اصابتها بجلطة جعلتها تظل فى غيبوبة لمدة أسبوعين ثم عادت للعمل وبيع الخضار في نفس مكانها لأعرف الجمعة الماضية بعد أن لاحظت غيابها أنها توفيت الى رحمة الله منذ أيام لتغلبنى دموعى وأنا أدعو لها بالرحمة على "جدة" شقيانة ماتت وهى تحمل هموم أحفادها نساء معيلات سؤال بادرنى وأنا أرى أغلب من يزاحمون الرصيف للبحث عن لقمة عيش من الستات الشقيانة لأجدنى أراجع ما يقال عن حجم السيدات المعيلات ومنها دراسة للمركز القومى للبحوث الإجتماعية والجنائية أكد فيها أن نسبة المرأة المعيلة بالنسبة لعدد السكان تصل إلي34 % وأن أعلى نسبة هى فى الأرامل والمطلقات و أن الإعداد تتزايد باستمرار فى القاهرة والمحافظات وخاصة فى العشوائيات وفى دراسة للأمم المتحدة تتبعت دورة حياة كثير من الأسر فى الدول النامية توصلت فيها الى أن نسبة غالبة من النساء معيلات.. ورغم أن لدينا مادة فى الدستور الجديد لسنة 2014 تلزم الدولة بحماية المرأة المعيلة إلا أن هذا لا يطبق على أرض الواقع . فرغم أن الدولة تقدم معاشات الضمان الاجتماعى لكنها ضعيفة جدا بالمقارنة بغول الأسعار الذى توحش . لذلك يحتاج الأمر كما تشير كل الأراء الى التفكير فى هذة الفئة التى تبحث عن الحياة لها ولذويها بمشروعات صغيرة حقيقية تجد من يروج لها
جزمجية وسط البلد
من الأرقام والاحصائيات أعود مرة أخرى الى وسط البلد أمام مصلحة الشهر العقارى حيث تجلس "الست هدى " ومعها ابنتان صغيرات تحاول أن تحميهما من برد الزمن ببطانية صغيلرة بينما تنهمك هى فى مسح حذاء زبون وقف ينتظر تلميع حذائه ليترك لها الباقى وتصر هى على أن تأخذ حقها فقط فهى تعتبر نفسها فى مهمة عمل رسمية تقوم بها بديلا عن زوجها المريض الذى لم يكن يرضى لها بهذه المهانة لولا شدة المرض ولأنه لا يستطيع رعاية نفسه تخرج ومعها الصغار يوميا فى الفجر ومعها علبة الورنيش لتعود اخر النهار تحمل له العلاج والطعام الميكروباص والمترو أم اذا أردت أن تتحدث عن الجدعنة فأسأل عن أم شيماء التى حكى عنها بعض من ركبوا معها حيث تعمل على الخط الواصل بين رمسيس ومنطقة التجمع الخامس حيث كان الميكروباص هو الحل الذى فكرت فيه لكى توفر رزق حلال لها ولأولادها فالشغل " مش عيب " حتى لو على ميكروباص ومن سرفيس الميكروباص الى رصيف المترو حيث حكت لى الصديقات عن الكثيرات ممن يحملن شهادات عليا بل بعضهن يعملن " مدير عام فى مصلحة حكومية " تخرج بعد انتهاء العمل لتبيع بعض الكريمات ومستحضرات التجميل فى طريقها الى بيتها بدلا من أن تجد لها كرسيا تستريح عليه تقف لتنادى على بضاعتها وتشاركها نفس المهمة بائعة أخرى لتروج لبعض الملابس رخيصة الثمن تبيعها وهى تحمل طفلتها الرضيعة التى لم تتعد الخمسة أشهر تحرص على أن تعرض بضاعتها بأدب وذوق يجعلك تشفق عليها فاذا اقتربت منها تعرف أنها هى وزوجها يعملان على نفس خط المترو حيث يبيع هو بعض الشيكولاتة والبونبون و أحيانا طرح المحجبات بينما هى تبيع " باديهات وبعض الاكسسوارات " وانها تضطر لحمل طفلتها معها لأن عملها يكون من بعد الظهرحتى اخر النهار والطفلة صغيرة لا تأمن على تركها وحدها .