تمر بنا هذه الأيام من شهر نوفمبر ذكرى مرور55عام علي رحيل عمدة المقرئين ومصور آيات القرآن الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي الذي رحل عن عالمنا في 11 نوفمبر عام 1962 تاركا لنا إرثا أدائيا عظيما في ترتيل وتجويد القرآن وفن التواشيح والآذان بصوت مميز وجميل سيبقى عالقا بالذاكرة ونافذا للوجدان, وليظل هذا الشيخ برغم مرور تلك السنوات وكأنه حيا يرزق بيننا لصوته الجميل الخاشع الذي نسمعه من حين لآخر, ولما لصوته القوي الأخاذ من جمال وحسن الوقفات والقدرة على الانتقال من الآية إلى الأخرى مع قدرة فائقة على تدبر وتذوق معاني الآيات القرآنية قبل أدائها ووصولها إلى آذان ووجدان السامع حتى أطلق عليه الشيخ الذي يصور معاني القرآن عن بلاغة واقتدار. ولد الشيخ الجليل في قرية شعشاع مركز أشمون بمحافظة المنوفية عام 1890 ، ولموهبته حفظ القرآن قبل بلوغه سن الثانية عشر بفضل والده ، ثم سافر إلى طنطا لحفظ القرآن وتعلم القراءات وأحكام التلاوة والتجويد على أيدي كبار المشايخ بها في هذا الوقت ليصبح بموهبته الربانية شيخا متميزا يملك من الطاقات وقوة الحنجرة بما لم يتوافر لغيره من المقرئين في عصره حتى ذاع صيته في ربوع مصر حتى استقر بالقاهرة ودرس بالأزهر وتعرف على لأحكام التلاوة وعلوم القراءات بين أذقته على أيدي أشهر المشايخ في عصره ومنهم الشيخ بيومي والشيخ علي سبيع ، ثم التحق بمدرسة المعلمين وحصل على الشهادة بدرجة عريف وفقيه مما مكنه من العمل بالتدريس بمدرسة أقامها والده بقرية شعشاع بالمنوفية وغيرها من المحافظات الأخرى ، ثم عاد لحي الجمالية بالقاهرة ليأخذ مكانه بين مشاهير القراء في عصره تاركا فن التواشيح من أجل إرضاء طموحه في قراءة القرآن وسط عمالقة عصره من مشايخ ونجوم القرآن بمصر ، وبدأ القراءة في مناسبات كبراء ووزراء الدولة بعد أن تمكن من تلاوة القرآن بالليلة الختامية بمولد الإمام الحسين رضي الله عنه ليجد نفسه مقرأ في وفاة الملك فؤاد بقصر عابدين سنة 1936 وغيرها من إحيائه للكثير من المناسبات الملكية التي كانت تنقل عبر موجات الإذاعة المصرية في بداية عهدها ليصبح بذلك ثاني مقرأ بالإذاعة المصرية بعد الشيخ محمد رفعت لينتقل منها صيته بصوته القوي الأخاذ إلى معظم الدول الإسلامية وليسافر إليها كسفيرا لمصر في تلاوة وتجويد القرآن وليعمل بإذاعة الشرق الأدنى لمدة 6 أشهر ليعود بعدها ليعمل مقرأ لمسجد السيدة نفيسة ثم مسجد السيدة زينب عام 1937 وتميز بقراءة سورة الكهف من كل جمعة وليظل به عبر حياته حتى يرثه في ذلك ابنه المرحوم الشيخ العلامة إبراهيم الشعشاعي المتوفى عام 1992 . وقد نال المرحوم الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي وسام الاستحقاق السوري من الرئيس حافظ الأسد من الطبقة الثانية تقديرا لجهوده في مجال تلاوة القرآن ، ونال الكثير من الأوسمة من البلاد الإسلامية ، ومن الأوقاف المصرية حتى منحه الرئيس السابق حسني مبارك بعد سنوات من وفاته وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في مجال تلاوة القرآن عام 1990 تقديرا لتميزه وعطائه ، وكان رحمه الله من أوائل الذين تلو القرآن عبر مكبرات الصوت على مسامع عشرات الآلاف من الحجاج بالسعودية أثناء قيامة بأداء فريضة الحج عام 1948 ، وقد تميز بصوت ندي وقدرة على التجويد والترتيل من خلال صوت متفرد ومتميز بالتفسير والوضوح والقوة ، والخشوع والتدبر في آيات الله وملكوته حتى لقب بعمدة فن التلاوة حتى وفاته المنية في 11 نوفمبر 1962 تاركا ورائه تراثا خالدا وعظيما في مجال التجويد والقراءة ليظل خالدا بخلود القرآن وبمكتبته الصوتية التي تضم أكثر من 400 تسجيل بالإذاعة المصرية وابنه المرحوم الشيخ إبراهيم عبد الفتاح الشعشاعي الذي ملأ العالم الإسلامي بنور وأداء وتلاوة القرآن .