إقليم كتالونيا يقع إقليم كتالونيا شمال شرق أسبانيا وتبلغ مساحته 32 ألف كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانه 7 مليون نسمة تقريبا وتعتبر اللغة الكاتالونية هي الأولي ويرجع عهدها بالإقليم لأكثر من 1000 عام الذي تكون بعد الاحتلال الروماني لمنطقة أراجودا ثم اللغة الأسبانية، ويمثل الإقليم 16% من عدد سكان أسبانيا يعتنقون غالبيتهم الديانة المسيحية علي مذهب الرومانية الكاثوليكية وتعد برشلونة هي العاصمة الأولي إذ ينقسم الإقليم إلي 4 مقاطعات هي جرندة، ولردة، وطراغوتة ثم برشلونة العاصمة، ويشتمل الإقليم علي 946 بلدية، وضعها الدستوري متنازع عليه مع مملكة اسبانيا التي تعتبرها منطقة حكم ذاتي داخل حدودها, وينتج الإقليم 20% من الناتج المحلي الأسباني بعد أن حقق الإقليم أكثر من 200 مليار يورو عام 2016 ليسجل رقم كبير في الاقتصاد الأسباني، كما ينتج الإقليم 25% من صادرات أسبانيا ويعمل 50% من سكانه في المجال الصناعي والتجاري والزراعي، ومع وجود الإقليم فإنه يوجد له شطره آخر في كتالونيا الشمالية التي انتزعتها فرنسا عند المناطق الحدودية كما يوجد للإقليم امتداد داخل وجوار حدود الدول المجاورة ليصل تعداد الهوية الكاتالونية إلي أكثر من11 مليون نسمة، تتمثل الشرعية في الإقليم في برلمان كتالونيا الذي يتألف من 135 نائبا يمثلون القطاعات الأربع به. الأسباب التي أدت إلي تمسك سكان الإقليم بالاستقلال عن أسبانيا لقد كان الإقليم مستقلا من الأساس عن الدولة المركزية ثم عاد ليعلن محاولة استقلاله بعد الحرب الأسبانية لعوامل ثقافية وتاريخية تتعلق بالهوية واللغة والاقتصادية تتعلق بالموارد وعدالة التوزيع ولهذه العوامل وغيرها تم الاعتراف بالشخصية الكاتالونية بالدستور الأسباني باعتبارهم أمة بذاتها، ورغم ذلك يشعر سكان الإقليم بانتقاص حقوقه السياسية والاقتصادية ومنها تحمل سكان الإقليم أعباء المناطق الضعيفة في أسبانيا، كما يتعاطف مع الإقليم سكان الإقليم الموجودة بحدود الدول معه وهم يدعمون ويشجعون الإقليم علي الاستقلال. هناك كثير من الدول التي بها أقليات وخصوصيات ومع القرن التاسع عشر أعيد تشكيل العالم إلي هويات وطنية وهي هويات موجودة في كل الدول ولها خصوصيتها ومنها إقليم كتالونيا التي يعترف بهويتها المحلية والتاريخية ولكن ذلك لا يمكن وفق المفهوم الواقعي أن يصنع دولة لأن الدولة يجب أن تتوفر لها الكثير من المقومات ومنها أن تكون دولة قابلة للبقاء، ومنها أيضا مواثيق الاعتراف الدولي بتلك الهويات التي لا يمكن برغم مطالبها ومبرراتها أن تبني دولة، وفي الحالة الكاتالونية لابد من توافر ثلاثة اعترافات لها ومنها اعتراف الحكومة المركزية بمدريد، واعتراف الاتحاد الأوروبي أي تصويت دوله بالإجماع، ثم الاعتراف الدولي, وجانب تلك النقاط وهو الأهم آن يتعرض شعب ما للاستغلال والإذلال والاضطهاد و وهو ما لم يتوفر للإقليم الذي ينعم بالحكم الشمولي الديمقراطي داخل اسبانيا ورغم ذك تمسك الإقليم بإجراء الاستفتاء ومن ثم الانفصال من جانب واحدا من جانب واحد، ومن أسباب دعوة الإقليم بالانفصال شعوره أثناء الأزمة المالية التي اجتاحت أوروبا عام 2008 بتحمل الكثير من الأعباء لصالح الأقاليم الأسبانية الأخري برغم تمتعه بالثروات التي يعتبر نفسه شريكا في تلك الثروة التي يشعر باضطهاد الحكومة المركزية لحقوق سكانه فيما يتعلق بعدالة توزيع الثروات وعدالة التوظيف وما يتعلق بالموازنة والملفات العامة والملفات السياسية والاقتصادية، وبسبب مشاكل الفقر والبطالة وعدم الاطمئنان الاقتصادي تحملت كتالونيا العبء الأكبر من تلك الأزمة برغم ما ينتجه اقتصادها، وبسبب خشيتهم من قدرة الاتحاد الأوروبي وضعفه في حل الأزمات إضافة إلي عوامل انتشار الإرهاب ودخول مهاجرين وثقافات جديدة في بلدان الاتحاد الأوروبي أثرت علي الهويات المحلية من الناحية الاقتصادية والحضارية والثقافية مما أدي إلي الاحتقان وعودة الأحزاب والأفكار القومية والعنصرية من الهويات المحلية الأصلية للحفاظ علي خصوصياتهم أمام تشكيكهم لقدرة الاتحاد الأوروبي علي فهم وحل تلك المشكلات لصالح تلك الهويات ناهيك عن العولمة المتوحشة التي اجتاحت العالم والتي لم يوجد من يوقف جماحها مما أدي إلي تغير ديموغرافي في أوروبا ومن ذلك زيادة الهجرة وزيادة اللجوء وانتشار الإرهاب وانتشار البطالة والفقر مع بروز فكرة الحفاظ علي الهوية والخوف من المستقبل أمام عولمة لم تعد مطمئنة لأنها لا ترحم الفقراء الذين لا يسمع أصواتهم في الأبراج العاجية في مقر الاتحاد الأوروبي مما أدي إلي قطع روح التواصل والتفاهم بين شعوب الاتحاد الأوروبي من جهة ومن جهة أخري مع قادة وحكومات تلك البلدان الأمر الذي أجج انتشار فكرة انفصال الهويات في أوروبا والكثير من بلاد العالم. تاريخ ومحاولات إقليم كتالونيا تحقيق الانفصال عن أسبانيا منذ قرون ولعوامل تاريخية وثقافية وجغرافية يسعي إقليم كتالونيا نحو تحقيق الانفصال, وخلال أواخر القرن الماضي نظم الإقليم سلسلة من الاستفتاءات أكدت مطالب الأغلبية بالانفصال، وقد وافقت الحكومة الإسبانية علي بعضها في حدود الحكم الذاتي، ورفضت نتائج أخري كانت تسعي للانفصال, ففي 25 أكتوبر 1979 وافق مواطنو كتالونيا في استفتاء شعبي علي قانون الحكم الذاتي الجديد لإقليمهم، والذي اعترف باللغتين الإسبانية والكتالونية كلغتين رسميتين في الإقليم، وسمح للسلطات الإقليمية بتولي مسؤوليات المقاطعة، بعد أن ألغيت المؤسسات الكتالونية 1939 بعد حرب أهلية, ثم نظم مواطنو كتالونيا استفتاءا شعبيا لاحقا في 18 يونيو 2006 أقروا خلاله قانونا جديد للحكم الذاتي يونيو يوسع من صلاحيات الحكم الذاتي في الإقليم بعد مفاوضات في حينه مع رئيس الحكومة الإسبانية السابق خوسيه لويس ثاباتيرو ومصادقة البرلمان الإسباني عليه, وفي يونيو عام 2010 تظاهر آلاف من الكتالونين احتجاجا علي إلغاء المحكمة الدستورية الاسبانية جزءا من قانون الحكم الذاتي الجديد, وخلال العام 2014 وتحديدا في شهر نوفمبر أجري استفتاء بالإقليم وصوَّتت الأغلبية الساحقة من سكانه لصالح خيار الاستقلال عن إسبانيا، وفي 11 يونيو ألغت المحكمة الدستورية الإسبانية نتائج الاستفتاء علي استقلال إقليم كتالونيا. ومنذ ذلك التاريخ وحتي سبتمبر الماضي 2017، أكدت الحكومة الإسبانية بأنها ستعرقل أي محاولة لاستقلال منطقة كتالونيا، مؤكدة أن إجراءها ووفقا للدستور سيكون غير قانوني, وفي يوم 9 سبتمبر 2017 أقر برلمان كتالونيا قانونا يحدد أسس الاستفتاء علي استقلال الإقليم عن إسبانيا وحدد له موعد الأول من أكتوبر الماضي 2017 أي قبول تحدي قرارات الحكومة الإسبانية, وبالفعل فان الاستفتاء قد تم في موعده برغم الإعاقات والإجراءات الأمنية والقمعية التي اتخذتها السلطات الأسبانية للحيلولة أمام إجراء الاستفتاء دون جدوي بعد أن جاء الاستفتاء ليعلن وبأغلبية ساحقة موافقته علي الانفصال وبنسبة تعدت ال90% وبما يعني الإجماع. كيف تعامل الاتحاد الأوروبي مع الأزمة الكاتالونية جاء تعامل الاتحاد الأوروبي مع الأزمة صامتا ومحرجا ولم تصدر في البداية أية تعليقات من المفوضية الأوروبية ولا من مجلس الاتحاد الأوروبي وبخاصة بعد مشاهد العنف التي مورست ضد المقترعين من سكان الإقليم علي الاستفتاء في أوائل أكتوبر الماضي، ففي الوقت الذي يوجه في الاتحاد الأوروبي تعليماته الرافضة لدولة كتركيا تجاه قضايا حقوقية فإنه في الأزمة الكاتالونية التي تمس شئونه واختصاصاته قد التزم الصمت والحياد بحجة عدم التدخل في الشئون الداخلية لأسبانيا وتعامل مع رئيس الحكومة رينو راخوي باعتباره يمثل القانون ويلتزم بالدستور الأسباني في تلك الأزمة وبالتالي التخلي عن استخدام الاتحاد لما تنص عليه المعاهدات الدولية بخصوص الحقوق الأساسية للمواطنين، باستثناء رئيس وزراء بلجيكا الذي استنكر العنف ودعا الطرفين للحوار برغم أن إقليم فلندر في بلجيكا يطالب هو الأخر بالاستقلال علي غرار إقليم كتالونيا، وغير ذلك ظل الاتحاد الأوروبي بعيدا عن التدخل لخوفه من خشية انتقال عدوي التقسيم في بلدان أوروبا وبالتالي انهيار المشروع الأوروبي الذي سيتحول إلي خليط من الهويات والأقليات وليس خليطا من الدول كما ه عليه الآن. لقد تأخر حوار الاتحاد الأوروبي في حل تلك الأزمة واستباقيته في العمل علي حلها قبل وقوعها مما كشف من أن أوروبا قد تتعرض للكثير من الأزمات المقبلة المتعلقة بدعوة الكثير من المناطق داخل البلدان الأوروبية الاستقلال، وأمام هذا الانفصال لا توجد حتي الآن أي دولة متحمسة للدخول علي خط الوساطة باستثناء بعض الوساطات الخجولة التي تسعي للوساطة لحل تلك الأزمة التي يجمع الكثيرين من دول العالم علي دعم الحكومة المركزية في كل خطواتها بمدريد. خطاب كلود يونكر خلال خطاب هام لجان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوربية في منتصف سبتمبر الماضي2017 وقبل أسابيع ثلاث لإعلان كتالونيا إجراء الاستفتاء أعلن وبحماسة أمام الجميع ان أوروبا قد عادت للتقدم مجددا في وقت كان الأمل يملأ الاتحاد الأوروبي بالتوصل لحل للأزمة التي هزت أركانه. فبعد أن نجا من الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2007، وتجنب خروج اليونان من منطقة اليورو عام 2015 وتعوّيل الاتحاد علي انخفاض معدلات البطالة للتغلب علي مضاعفات أزمة الهجرة، والمفاوضات الشاقة المستمرة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي, ولكن أزمة استفتاء واستقلال كتالونيا أعادت القلق لمستقبل الاتحاد الأوربي لتجد بروكسل نفسها فجأة في وضع محرج ومتأزم, إلا أن الانفصاليين الكاتالونيين كانوا يستعدون للاستفتاء علي استقلال إقليمهم منذ سنوات طوال. أي أن تلك الأزمة كانت موجودة، ولكنها لم تحظ من جانب الاتحاد الأوربي بالقدر المطلوب من الحيطة والاهتمام, وقد بدا الحرج واضحا علي الاتحاد الأوروبي منذ بداية الأزمة وخيم علي مسؤوليه وقاداته ومؤسساته الصمت التام برغم الاستفتاء الذي جري بالإقليم في أول /أكتوبر الماضي، لتخرج المفوضية الأوروبية عن صمتها عقب التصعيد بين الانفصاليين والشرطة يوم الاستفتاء، لتؤكد رفضها لاستخدام العنف كأداة للتغيير وإعلانها في الوقت نقسه عدم تدخلها في الأزمة وذلك عبر تصريحات حذرة وخجولة خشية من إثارة غضب الحكومة المركزية في مدريد، معتبرة من أن الاستفتاء غير قانوني وفقا للمادة 155 من الدستور الإسباني، وداعية جميع الأطراف للانتقال سريعا من حال المواجهة إلي تغليب الحوار باعتبار المسألة الكاتالونية موضوعا إسبانيا داخليا وذلك بعد إعلان برلمان كتالونيا استقلال الإقليم يوم الجمعة 27الماضي الأول/أكتوبر 2017، ومعه فقد أعادت بروكسل التأكيد علي دعمها لسلطات مدريد تحت مسمي احترام الدستور الإسباني إذ قال رئيس المجلس الأوروبي رونالد توسك بالنسبة للاتحاد الأوروبي لم يتغير شيء وتبقي إسبانيا هي الطرف الوحيد الذي نحاوره ليؤكد جان كلود يونكر من جهته أنه ليس لدينا الحق في إقحام أنفسنا في هذا الحوار الإسباني الخاص، محذرا من دعوات الانفصال لخطرها علي تصدع وانهيار الاتحاد وحق الدول في حماية حدودها وهو الأمر الذي تدافع عنه الحكومة المركزية الإسبانية. ليأتي موقف الاتحاد الأوربي داعما لمدريد بثبات لا رجعة فيه، وحتي أكثر دول الاتحاد لا مركزية تخشي أن تشكل الحالة الكاتالونية مثالا يحتذي في مناطق أخري طامحة للاستقلال وبما يهدد كيان الاتحاد الأوربي، وهو ما عبر عنه وحذر منه النائب الإسباني في البرلمان الأوروبي إستيبان غونزاليس بونس. هل تفتح كتالونيا باب الانفصال أمام الأقليات الأخري ببلدان أوروبا؟ ويبقي الاتحاد الأوروبي مترددا وكأنه في حالة تأمل إذ قاوم محاولة انفصال إقليم كتالونيا خلال شهر أكتوبر الماضي، وقد حاول حل المشكلة بخجل للضغط علي الحكومة الأسبانية لوقف انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية لسكان كتالونيا. ومن جهة الانفصال فإن الاتحاد الأوروبي رفض أن يقوم بدور الوسيط حتي لا يمنح الشرعية للانفصاليين الكاتالونيين، ولا تؤخذ باعتبارها الحالة الأولي التي يمكن أن تشجع الحركات الانفصالية الأخري في دول الاتحاد, ففي حال نجاح الانفصاليون الكاتالونيون في مخالفة التوقعات وانتزاع الاعتراف باستقلالهم، فكيف سينعكس ذلك علي مستوي صلاحية الاتفاقيات الدولية في حالة انفصال منطقة عن إحدي الدول الأعضاء؟ فبحسب قواعد ما يعرف بمبادئ برودي المنسوبة إلي الرئيس السابق للهيئة التنفيذية الأوروبية رومانو برودي فإن أي دولة وليدة تنقسم عن دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لا تعتبر بشكل مباشر جزءا من الاتحاد الأوروبي. وكان علي كتالونيا أن تترشح لعضوية الاتحاد الأوروبي قبل مباشرة المفاوضات حول إدماجها في الاتحاد في حال حصول طلبها علي ضوء أخضر بإجماع الدول الأعضاء. وهو سيناريو بعيد المنال وشديد التعقيد، يؤكد أن من مصلحة بروكسل المحافظة بقوة وثبات علي موقفها حيال الأزمة بين مدريدوبرشلونة علي أنها أزمة داخلية أسبانية. محاولات انفصال إقليم كتالونيا عن اسبانيا تشعر مناطق مثل كتالونيا، التي تعد محركا رئيسيا للاقتصاد الإسباني، بأنها تتعرض للاستغلال من الحكومة الوطنية. وللكتالونيين لغتهم الخاصة، ولهم تاريخهم الخاص. كما أن لديهم أيضاً تاريخ مشترك مع أسبانيا، وقدر كبير من الحكم الذاتي, صحيح أنه تم الإعلان من جانب الحكومة الاسبانية عن أن الاستفتاء ووفق للدستور الأسباني غير قانوني، لأن دستور العام 1978 يقول إن وحدة إسبانيا أبدية ولا تنفصم. ومن حق مملكة إسبانيا أن تقلق بشأن محاولات الانفصال خشية من تقسيم البلاد ولاعتبارات عديدة منها أن اقلي كاتالونيا يعتبر مكون حيوي للاقتصاد الوطني ويمكن أن يشجع في حالة انفصاله الحركات الأخري نحو المطالبة بالاستقلال ومن ثم تعريض الأمة لخطر الضعف والتفكك. ولم تكن لدي راخوي خيارات كبيرة، لكنه اختار الأسوأ من بينها وهي استخدام القوة ثم اللجوء للمادة 155من الدستور الأسباني والاعتماد علي أراء مجلس الشيوخ والمحكمة الدستورية الاسبانية العليا وجميعهم أعلن عن بطلان الاستفتاء ومن ثم بطلان الانفصال الذي أعلنه الكاتالونيون يوم 27 من أكتوبر الماضي من جانب واحد والذي تم علي إثره عزل رئيس الإقليم كارلس بيغديمونت المقيم في بروكسل لدواعي أمنية و14 من قياداته ووزرائه واستدعاء المحكمة الجنائية الاسبانية بأمر من المدعي العام لهم للتحقيق معهم قبل أن يصدر قرارا لاحقا باعتقالهم إذا ما رفضوا الحضور, وفي ظل تفاقم تلك الأزمة وتوالي أحداثها الخطيرة والمدوية يراقب الاتحاد الأوربي وبخاصة بلدانه من جيران إسبانيا ما يجري فيها. فهناك في أوروبا الغربية وحدها حركات لأقاليم ومناطق مماثلة تتطلع بشدة نحو المطالبة بالانفصال عن بلدانها, ومن أمثلة ذلك جزر فارو الدنمركية إلي فلاندرز المستقلة في بلجيكا، إلي اسكتلندا وويلز في ببريطانيا, ومن كورسيكا الفرنسية إلي بادانيا الغنية في إيطاليا، وغيرها الكثير من المناطق التي تتمتع بالحكم الذاتي داخل أوربا معتمدة في دعواتها بالانفصال علي ما يجمعها ويوحدها أو علي ما يمكن أن يفصلها عن البلدان التي تنتمي إليها ولما يهدد بتصدع بلدان الاتحاد الأوربي وتحدي دوله القومية, ومن جانبه وردا علي تلك الإجراءات، قال الرئيس الإقليمي الكتالوني، كارلس بويغديمونت عبر الإعلام، إنه لا يبحث عن مخرج صادم، وهو يدعو الآن إلي الوساطة الدولية. ويبدو أنه يعطي بذلك لمدريد فرصة لتصحيح خطئها. ويجب علي العالم أن يراقب ويتعلم من خطأ إسبانيا الخطير. امتثال قيادات إقليم كتالونيا أمام القضاء وعي اثر استدعاء المحكمة الأسبانية العليا في مدريد لرئيس وقادة ووزراء الإقليم البالغ عددهم 14 لتوجيه تهم التمرد ومخالفة الدستور والاختلاس ومحاولة تقسيم البلاد إليهم, وقد امتثل منهم تسعة أعضاء أمام المحكمة يوم الخميس الماضي الموافق 2من شهر نوفمبر الجاري وامتنع خمسة أعضاء من قادة حكومة كتالونيا المقالة للإدلاء بإفاداتهم أمام القضاء، فيما رفض رئيس إقليم كتالونيا الانفصالي المُقال كارلوس بودجيمون الحضور منددا من بروكسل التي يتواجد بها بالمحاكمة السياسية التي يتعرض لها ومن بينهم أيضا بودجيمون الموجود في بلجيكا منذ الاثنين مع آخرين، مما جعل النيابة العامة الأسبانية تصدر يوم الخميس الماضي 2نوفمبر 2017 مذكرة توقيف أوروبية بحق رئيس الإقليم كارلس بيغديمونت المقيم في بلجيكا مع أربعة من وزرائه لرفضهم المثول أمام المحكمة والعودة لمدريد للتحقيق معهم علي خلفية تحركاتهم المرفوضة بعد إصدارهم لقرار الانفصال. وكان أول الواصلين إلي المحكمة الوطنية، المسئول الثاني في الحكومة الكاتالونية اوريول جونكيراس تبعه ثمانية وزراء آخرين فيما تظاهر العديد من مؤيديهم تضامنا معهم عشرات الأشخاص خارج المحكمة التي أرجأت القضية, وعلي خط مواز، مثلت رئيسة البرلمان الكاتالوني كارمي فوركاديل بالإضافة إلي خمسة نواب كاتالونيين أمام المحكمة الإسبانية العليا المجاورة، المختصة بقضيتهم بسبب امتيازاتهم البرلمانية. وأعلنت المحكمة العليا إرجاء جلسة الاستماع إلي 9 أكتوبر بناء علي طلب وكلاء الدفاع. ولم يتمّ تحديد سبب هذا التأجيل لكن المحامين فوجئوا بمدة التأجيل القصيرة. وفي المقابل، تستمر جلسة الاستماع في المحكمة الوطنية، وهي محكمة عليا متخصصة في القضايا الحساسة، إلي الوزراء في الحكومة الكاتالونية المُقالة. وطلب المدعي العام الإسباني أن توجه إليهم جميعا تهم اختلاس الأموال العامة والعصيان والتمرد.وقد تصل العقوبة القصوي للتهمتين الأخيرتين إلي السجن لمدة تتراوح بين 15 و30 عاما ويتهمهم المدعي العام تشجيع حركة عصيان في صفوف الشعب الكاتالوني في مواجهة سلطة مؤسسات الدولة الشرعية لتحقيق هدف الانفصال والدعوة إلي العصيان والتمرد ومخالفة الدستور الأسباني وغيرها من قضايا الاختلاس، متجاهلين قرارات القضاء من بينها منع تنظيم استفتاء تقرير المصير في الأول من أكتوبر الماضي، وللخروج من الأزمة كان قد أعلن رئيس الحكومة الأسبانية مارينو راخوي الذي يتمتع بصلاحيات واسعة الآن أقرت له بموجب موافقة مجلس الشيوخ بعد تطبيق بنود المادة 155 من الدستور الأسباني التي تنص علي انتزاع صلاحيات الحكم الذاتي وفرض سيطرتها علي تسيير شئون المؤسسات داخل الإقليم علي إجراء انتخابات مبكرة في 21 ديسمبر القادم بكتالونيا للخروج من تلك الأزمة وداعيا في الوقت نفسه السماح لرئيس الإقليم المقال وغيره من القيادات خوض تلك الانتخابات الأمر المتناقض مع مذكرات التوقيف التي وجهت بحقهم. النتائج الكارثية التي وصلت إليها تلك الأزمة في أسبانيا بعد إصرار إقليم كتالونيا علي إجراء الاستفتاء ثم إعلان الانفصال عن أسبانيا في 27 من أكتوبر الماضي وصل الصراع إلي ذروته مع الحكومة المركزية في مدريد بعد عدم اعترافها بالاستفتاء وبالدستور واستخدامها القوة لتفريق المقترعين ثم موافقة مجلس الشيوخ علي تطبيق المادة 155 من الدستور الأسباني للحفاظ علي وحدة الدولة وفرض الوصاية علي الإقليم وإقالة قائد الشرطة وعدد من قيادات الإقليم وعلي رأسهم رئيسه كارلس بيغديمونت واستدعائهم للمحكمة وصدور قرارات توقيف بحق بعضهم للتحقيق معهم، وقد تسببت تلك الأزمة في خلق اضطرابات داخل المؤسسات الكاتالونية وبين كتالونيا وبين الأقاليم الأخري التي كانت تعيش في انسجام قبل تلك الخطوات الأحادية، وعليه فقد انتقلت رؤوس الأموال والاستثمارات مع 1700 شركة تم نقلها خارج الإقليم الأمر الذي سينعكس سلبا علي تراجع النمو الإجمالي للإقليم بنسبة 19%، وإعلان العواصم الأوروبية وواشنطن تضامنها مع حكومة أسبانيا والتشديد علي وحدة أراضيها، وعدم الاعتراف بانفصال الإقليم الأمر الذي يراه الخبراء والقانونيون أمر محال التحقيق لأنه سيبقي انفصال فارغ عن المضمون انطلاقا من عدم أحقية أي كيان داخل دولة أن يعلن استقلاله علي هذا النحو لأنه سيصطدم حتما بأهمية اعتراف الدولة ومن ثم اعتراف المجتمع الدولي له، لتبقي أسبانيا وسط هذا الزلزال الذي يهدد وحدتها ويجعلها في مهب الريح، فهل ستستمر الأزمة وتترك لردات فعل الشارع مع ردات فعل الحكومة وسلطاتها القضائية والتنفيذية، هل سيستمر إصرار إقليم كتالونيا علي الانفصال وسط استمرار العنف والمظاهرات وإقامة الحواجز أمام استمرار الاعتقالات والمحاكمات واستخدام السلطات الأسبانية لمزيد من إجراءات العنف والقوة المفرطة ومزيد من الانفلات الأمني والتمرد علي غرار الحرب التي شهدتها أسبانيا قبل الحرب العالمية الثانية. وبجانب تلك التكهنات لأحداث الأيام المقبلة ستظل أسبانيا كيان متكامل ومعترف به من جانب الاتحاد الأوروبي ومن جانب المجتمع الدولي وسيبقي دستوره ساريا مثل دستور الاتحاد الأوروبي المتعلق بتلك الأزمات الذي يعتبر الإقليم يتمتع بالحكم الذاتي وتابعا للحكومة المركزية في أسبانيا وقبول الاتحاد الأوروبي فرض حكومة أسبانيا الوصاية علي الإقليم وتسيير شئون مؤسساته في شتي المجالات لتعيش أسبانيا علي صفيح ساخن بعد تعرضها لشبح التقسيم ومعايشتها لأصعب يومين في تاريخها يوم إجراء الاستفتاء ويوم إعلان إقليم كتالونيا الانفصال في 27 أكتوبر الماضي ليظل أمر إقليم كتالونيا هو الأخر في مهب الريح بعد أن تكسرت آمال انفصاله بأيدي وقبضة الحكومة المركزية في مدريد ووقوف الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي حجر عثرة أمام هذا الانفصال خشية من انتشار عدواه في الكثير من بلاد العالم.