ضمن سلسلة المؤتمرات المنعقدة تحت مظلة "كوب 23"، تبدأ غدا الإثنين فعاليات الدورة ال 23 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ Cops23 والتى تستضيفها مدينة بون الألمانية خلال الفترة من 6 – 17 نوفمبر الحالي ، وعلى مدى أسبوعين سيحاول مفاوضو الدول المشاركة وضع مجموعة من المبادئ التوجيهية لتنفيذ اتفاق باريس للمناخ عبر إستراتيجية عالمية طويلة الأجل لمعالجة تغير المناخ. وكان اتفاق باريس حدد هدفاً للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية في حدود درجتين مئويتين ، لكن العلماء يحذرون من أن متوسط درجة الحرارة سيتجاوز هذه العتبة بحلول نهاية القرن الجاري، إضافة إلى دعم التحول الطاقي وتشجيع المشاريع المحافظة على البيئة بتوفير برامج دعم موجهة للدول النامية المتضررة. ومن ضمن القضايا الرئيسية المثيرة للجدل التي ستخيم على "كوب23 "، دور الولاياتالمتحدةالأمريكية في الاتفاقية الإطار بعدما أعلن الرئيس دونالد ترامب انسحاب واشنطن من الاتفاق العالمي، إضافة إلى عدم وجود طموح في الأهداف المسطرة على المدى القريب قبل 2020، ومدى التزام الدول بتحقيق الأهداف الوطنية، وتوفير الدول المصنعة للتمويل المتفق عليه. ودعا تقرير جديد صادر عن برنامج الأممالمتحدة للبيئة قبيل انعقاد المؤتمر في بون حكومات العالم إلى إسقاط الدعم المقدم لصناعات الفحم والغاز بغرض تشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة والحد من ارتفاع درجات الحرارة دون درجتين مئويتين وفق اتفاق باريس لتغير المناخ. وأشار التقرير إلى حاجة الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية إلى رفع مستوى طموحها بشكل عاجل لضمان تنفيذ اتفاق باريس.معتبرا أن التعهدات الوطنية لا تسهم إلا بمقدار الثلث فقط في تخفيض الانبعاثات، مما يحتم ضرورة إشراك القطاع الخاص للمساعدة على سد هذه الفجوة المقلقة. وقال "إريك سولهايم" المدير التنفيذي لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة ، إنه ينبغي إزالة أي دعم للوقود الأحفوري.. لا يمكننا الاستمرار في دعم ما لا نريده.. ما يجب علينا القيام به هو تقديم عروض ترويجية أولية لما نحتاج إلى إدخاله، أي الطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية والمائية وغيرها. وأضاف سولهايم ، أن العديد من البلدان تتخذ بالفعل خطوات إيجابية نحو خفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة من الناتج العالمي البالغ نحو 52 غيغا طن سنويا. ومن هذه البلدان، الصين التي دشنت للتو أول قطار هجين (يعمل بالكهرباء والطاقة التقليدية) في العالم في مدينة تانغشان والهند، التي افتتحت أول محطة للطاقة الشمسية في البلاد ، ويعادل الغيغا طن الواحد انبعاثات النقل في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الناتجة عن الطيران، تقريبا لعام واحد. ويخلص التقرير إلى أن تعهدات باريس تجعل من المحتمل أن تصل انبعاثات عام 2030 إلى ما يتراوح بين 11 و 13.5 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وهو أعلى من المستوى المطلوب للوصول إلى الهدف المتمثل في الحد من ارتفاع درجات الحرارة دون درجتين مئويتين. وقال سولهايم ، أنه من خلال وضع السياسات الصحيحة بشأن تغير المناخ، يمكن للحكومات خفض التلوث المحلي الذي يضر بالسكان، وأيضا ستسهم هذه السياسات في خلق وظائف جديدة..هذا اقتراح مربح للجميع، وظائف صديقة للبيئة وازدهار اقتصادي، يتحول إلى سياسات تقلل من تغير المناخ وجيدة جدا لصحتنا. وتطرق سولهايم إلى الولاياتالمتحدة قائلا ،إنها ستفي على الأرجح بتعهداتها المناخية في باريس، لأن الشركات الكبيرة تكرس جهودها لتكنولوجيات أكثر صداقة للبيئة. وكشف تقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لعام 2017، أن تركيزات غازات الاحتباس الحراري تقفز إلى رقم قياسي جديد والأعلى منذ 800 ألف عام . وبحسب ما جاء في نشرة الغازات الدفيئة التي تصدرها المنظمة، فإن هذه التغيرات المفاجئة في الغلاف الجوي التي حدثت خلال ال 70 عاما الماضية لم يسبق لها مثيل، مدفوعة بمجموعة من الأنشطة البشرية وتأثير ظاهرة النينيو..إذ زادت تركيزات ثاني أكسيد الكربون الآن بنسبة 145% مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية قبل عام 1750. وأضاف التقرير أن زيادة المستويات بالغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة للاحتباس الحراري بسرعة، يمكن أن تؤدي إلى تغييرات غير مسبوقة في نظم المناخ تسفر عن "اضطرابات إيكولوجية واقتصادية خطيرة".. ويعود ذلك إلى النمو السكاني وتكثيف الممارسات الزراعية والزيادة في استخدام الأراضي وإزالة الغابات، فضلا عن الزيادة في التصنيع واستخدام الطاقة من مصادر الوقود الأحفوري. وأشار بيتري تالاس الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية ، إلى أن الأجيال القادمة سترث كوكبا غير مضياف ، وبدون تخفيضات في مستويات ثاني أكسيد الكربون وغيره من انبعاثات الغازات الدفيئة، فإننا سنتجه نحو مستويات خطيرة في درجات الحرارة بحلول نهاية هذا القرن. وأَضاف تالاس، أن ثاني أكسيد الكربون يبقى في الجو لمئات السنين وفي المحيطات لفترات أطول. مما يعني أننا سنواجه مناخا أكثر سخونة من الآن وظواهر مناخية أشد فتكا في المستقبل. وبحسب المنظمة، فإن آخر مرة شهد فيها كوكب الأرض تركيزاً مماثلا لتركيز ثاني أكسيد الكربون الحالي كانت قبل 3 ملايين إلى 5 ملايين سنة ، وكانت درجات الحرارة أعلى من الآن بمقدار 2 إلى 3 درجات مئوية ، وكان مستوى سطح البحر أعلى من الآن بمقدار 10إلى 20 مترا. وكشف تحليل المنظمة أنه لم يكن العام 2016 فقط أكثر الأعوام احترارا في التاريخ الموثق، لكن أيضاً بلغ معدل انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون مستويات غير مسبوقة ، علاوة على ذلك سجل مستوى الثلوج في القطبين خلال فصل الشتاء أقل معدل له في التاريخ المسجل. وتكشف المنظمة بعد مرور أكثر من شهرين على بدء العام 2017 أن التغير المناخي يواصل كسر الأرقام القياسية وبلوغ مستويات غير مسبوقة. وبنت المنظمة تحليلها على معلومات وبيانات موثقة جمعتها من 80 مؤسسة أرصاد محلية حول العالم لتصل إلى تحليل وصورة أكثر عمقا للتغير المناخي الذي حدث العام المنصرم. ومقارنة بالنمط المناخي السائد بين عامي 1961 و 1990 فقد زادت درجة حرارة الأرض 0.83 درجة مئوية عما كان متوقعا وهو ما يعني زيادة بلغت 1.1 درجة مئوية عن درجة حرارة الكوكب خلال الحقبل قبل الصناعية. أيضاً سجلت سنة 2016 أعلى معدل درجة حرارة في التاريخ المسجل بزيادة طفيفة بلغت 0.06 درجة مئوية عن مثيلتها عام 2015 التي كانت الاعلى قبل نهاية 2016، وهو ما يعني أنه العام الثاني على التوالي الذي تواصل فيه درجة حرارة الارض كسر الحدود المعروفة وتسجيل مستويات جديدة غير مسبوقة. وأشار بيتري تالاس الأمين العام المنظمة إلى أنه حتى متوسط درجة حرارة سطح البحار حول العالم بلغت معدلات غير مسبوقة في التاريخ المسجل ، كما أن مستوى ارتفاع سطح البحار قد تزايد علاوة على ان كثافة الثلوج عند القطبين بلغت مستويات أقل بكثير من المستويات المعتادة في السنوات السابقة. ويشير التحليل أيضا إلى أن الكوكب كله لم يشهد نفس مستويات ارتفاع درجة الحرارة خلال 2016 فعند القطبين بلغ ارتفاع درجات الحرارة 3 درجات أكثر من تلك المستويات خلال الفترة المرجعية المسجلة بين عامي 1961 و1990، وفي منطقة سفالبارد والجزر الدانماركية في محيط القطب الشمالي بلغت الزيادة 6.5 درجة مئوية بشكل متوسط خلال العام بأكملة. ويبرر التحليل هذه الزيادة في درجة الحرارة بظاهرة النينيو والتي أسهمت بزيادة إضافية بلغت ما بين 10 إلى 20 درجة مئوية خلال العام 2016 بينما كان العامل الأكبر في الزيادة هو ارتفاع انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون. ورغم ذلك فإن ظاهرة النينيو أسهمت أيضا في زيادة مستويات انبعاثات الغازات في الهواء، وكان معدل زيادة انبعاثات ثاني اكسيد الكربون خلال 2016 الأسرع في التاريخ المسجل وبلغ 3.4 جزء في كل مليون جزء من الهواء خلال العام. يقول الاستاذ الدكتور ريتشارد بيتس في مؤسسة الارصاد الجوية البريطانية :ما فعلته ظاهرة النينو أنها أثرت على تراكم مادة الكربون العضوي في بعض المناطق ما أدى إلى زيادة إضافية في انبعاثات ثاني اكسيد الكربون التي يتسبب فيها النشاط البشري، وبهذا الشكل يفسر التحليل الظواهر المناخية المتطرفة في مختلف أنحاء العالم خلال 2016 ومنها الجفاف في جنوب وشرق أفريقيا وفي أمريكا اللاتينية وإعصار ماتيو في منطقة شمال المحيط الاطلسي والذي شكل إحدى أكبر الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ والذي خلف مئات القتلى ودمارا واسعا في هايتي. وحسب تحليل المنظمة فإن المناخ مستمر في التطرف بشكل مستمر خلال العام الجاري فعلى الأقل تعرضت المناطق القطبية لثلاث موجات من الرياح الحارة خلال فصل الشتاء الحالي ما أدى لزيادة معدلات ذوبان الجليد وهو ما يؤدي غلى تغيرات مناخية تؤثر على مناطق مختلفة من العالم، ويسبب ذلك زيادة في درجات الحرارة في بعض مناطق الولاياتالمتحدة والتي سجلت زيادة في معدلات درجة الحرارة خلال العام 2017 غير مسبوقة في تاريخ البلاد المسجل. وحسب أغلب الباحثين والمختصين في مجال الأرصاد الجوية ، فإن إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب قامت بإلغاء بعض الإجراءات الخاصة بمواجهة التغير المناخي والتي كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قد أقرتها حتى أن سكوت بريوت رئيس وكالة حماية البيئة الامريكي الذي عينه ترامب أنكر أن تكون انبعاثات ثاني اكسيد الكربون عاملا أساسيا في ارتفاع درجة حرارة الأرض.