في ظل أجواء هادئة وشكاوي محدودة جرت الانتخابات في الكويت، انتخابات تختلف عن السابقة وتؤدي إلي مزيد من الاستقرار في الكويت وتؤسس لمرحلة جديدة يكون فيها البرلمان خطوة في مشوار طويل، فعشية الاقتراع لانتخاب مجلس أمة جديد - في الثاني من فبراير الحالي - تبدد التوتر والقلق، وجري التحذير بضرورة الابتعاد نهائيًا عن الطعن في الآخرين ومحاولة ربطهم بجهات خارجية والإساءة إلي المجموعات، والنأي ما أمكن عن ردود الفعل الضيقة والتجييش الطائفي والقبلي، والاقتناع بأن الدولة فوق الجميع وأن الحقوق تؤخذ بالقانون وليس بلي الذراع. وسري النصح بعدم تخوين الآخرين لأن ذلك سيكون مضرًا بالوطن بل يدخله في دروب فتن وصراعات هو في غني عنها، كما سري التحذير من اللجوء إلي التصنيف لأنه جسر نحو الانقسام الذي يفتح الباب علي مصراعيه نحو التصادم ويثير التوتر والإحن، وسري التحذير من مراعاة المصالح الضيقة للقبيلة علي حساب المصلحة العامة للوطن، وسرت الدعوة إلي البعد عن سياسة الصفقات وشراء الذمم لتمرير هذا المشروع أو ذاك، فالمطلوب من الجميع مراعاة صالح الوطن والعمل من أجله والتقيد بالقانون. لم تغب المعارضة عن الانتخابات الأخيرة، فلقد احتلت مساحة لا بأس بها في الشارع السياسي، أما ما يتطلع إليه الكويتي فهو أن تكون معارضة إيجايبة تبني ولا تدمر، تصون ولا تبدد، ولعل هذا يستدعي انتخابات الفصل التشريعي الثاني - 25 يناير سنة 1967 - حينما أقدمت السلطة علي التزوير المباشر للانتخابات وأراد الشباب الثورة علي ذلك والخروج في تظاهرات فما كان من رموز المعارضة الوطنية إلا أن عارضت التظاهر وقالت إن هذه المرحلة ستمر ولا نريد أن نعرض الأمن للخطر والصدام مع السلطة، ولا شك أن الكويت بذلك إنما تقدم نموذجًا للمعارضة الوطنية الحقيقية التي تعمل من أجل الوطن. إنها الكويت تريد الديمقراطية القدوة لا الديمقراطية المشوهة التي تكون مجرد كلام تذروه الرياح، تريدها ديمقراطية حقيقية تشدد علي ضرورة أن يكون الدستور هو البوصلة ومنهاج العمل لحياة مستمرة وآمنة لكويت يتطلع شعبها لمرحلة تظل فيها الدولة بمنأي عن المخططات التي تخدم أجندات مشبوهة حتي لا تطال استقرار وأمن الوطن لا سيما أن مثل هذه المؤامرات تهدف إلي جر الكويت إلي منعطف آخر بعد النيل من الثوابت التي يرتكز عليها الحكم. تظل الكويت الدولة الحريصة علي ترسيخ الاستقرار كي تكون بمنأي عن المشاريع الانقلابية التي تهدف إلي إثارة البلبلة وشل حركة السلطة التنفيذية والتغرير بالشباب وارتكاب جريمة اقتحام مجلس الأمة.. كما حدث في السابق وصولاً إلي تهديد وترهيب القضاء والتدخل في أحكامه وهو ما لا ينبغي أن يكون حيث إن القضاء هو الضمان الحقيقي والملاذ الآمن لاستتباب العدل، ولهذا فإن الكويت اليوم تقف صامدة تتصدي بحزم وإصرار لكل من يهدد ويتوعد بزعزعة الاستقرار والثوابت التي ترتكز عليها دولة القانون والمؤسسات.