كانت الحكمة تستدعى الغاء الاستفتاء الذى أراده البرزانى من أجل انفصال اقليم كردستان عن الحكومة المركزية فى بغداد، وهو الانفصال الذى كان سيفتح الباب على مصراعيه لتنفيذ خطة تقسيم المنطقة إلى دويلات على أسس عرقية ودينية. كان حريا بالبرزانى أن يبادر بالغاء الاستفتاء حتى لا يرفع وتيرة التصعيد بإصراره على تمريره ضاربا بعرض الحائط كل دعوات الحوار التى تبنتها حكومة بغداد، وبتصويت البرلمان العراقى على رفض الاستفتاء بل والزام رئيس الوزراء العبادى باتخاذ كافة التدابير التى تحفظ وحدة العراق بما فيها من تدابير عسكرية. كان يتعين على البرزانى النكوص عن اجراء الاستفتاء لعدم توافقه مع دستور العراق الذى أقر فى 2005 ، ولأن الاستفتاء لا يصب فى مصلحة الأكراد سياسيا واقتصاديا وقوميا. وكان على البرزانى أن يأخذ فى الاعتبار رفض دول الجوار للاستفتاء نظرا لما قد يتمخض عنه من عواقب وخيمة سيضار منها الجميع، ويكفى تأجيجه للنزعة الانفصالية فى أوساط الأكراد داخل دول الجوار، كان على البرزانى أن يأخذ بعين الاعتبار القرار الذى أصدره المجلس الوزارى للجامعة العربية بالاجماع والذى أكد رفض الاستفتاء لعدم قانونيته وتعارضه مع الدستور العراقى الذى يجب التمسك به والذى دعم وحدة العراق بوصفها العامل الرئيس لأمن واستقرار المنطقة حيث إن تهديد هذه الوحدة من شأنه أن يمثل خطرا على أمن المنطقة ويحد من قدرة دولها على مواجهة الارهاب. غير أن البرزانى ما كان له أن يمضى فى مشروعه التدميرى هذا إلا بتشجيع من اسرائيل بحكم الروابط التى تربطها بالأكراد منذ ستينيات القرن الماضى فى مجال المخابرات والمجال العسكرى، والأكثر من هذا أنها تعتبر الأكراد المشتتين فى العراق وسوريا وايران وتركيا عازلا لها عن خصومها فى هذه الدول. ولهذا كان نيتنياهو خير داعم ومؤيد لانفصال كردستان عن العراق. تراءى للبرزانى أن بامكانه فصل اقليم كردستان عن العراق ومضى يتحدث عن أن الاستفتاء يمثل الخطوة الأولى فى التاريخ التى يقرر فيها شعب كردستان مستقبلهم بحرية ليشرع الاقليم بعد استقلاله إلى عقد مفاوضات مع بغداد للتوصل إلى اتفاق بشأن الحدود والمياه والنفط. أراد البرزانى أن يضرب صفحا عن التحذيرات من أن السعى إلى الاستقلال يمثل خطرا كبيرا لا سيما وأن العراق يخوض حربا ضد داعش، وبالتالى فإن الواقع والبيئة الاقليمية ليست مواتية لانفصال الاقليم حاليا أو على المدى البعيد. ولعل هذا ما عرض له جلال الطالبانى عام 2004 عندما قال:( إن الظروف الاقليمية والدولية لن تسمح لنا باقامة الدولة الكردية المستقلة حاليا. نحن ندرك ذلك ولكن سوف نسعى لتوفير البيئة الأساسية لهذه الدولة وعلى الأجيال القادمة استثمار ذلك لاقامتها). غير أن طموح البرزانى اليوم فى تحقيق حلم والده مصطفى البرزانى فى دولة كردية هو الذى دفعه صوب الانجراف نحو الاستفتاء رغم كونه غير دستورى. من جديد سيتعذر تحقيق حلم الانفصال نظرا لتداعياته الكارثية على العراق وعلى دول المنطقة. ويكفى ما قد يثيره من توترات داخل العراق، ويكفى أن الاستفتاء على استقلال كردستان لن يكون تقريرا للمصير وإنما سيكون خطوة لبداية التقسيم على أسس طائفية دينية. ولن يقتصر هذا على العراق بل سيمتد ليشمل دول المنطقة. ولهذا كان حلم البرزانى هو الحلم الملعون نظرا لما قد يخلفه من تبعات جسام.