عندما يذكر اسم الكاتب الكبير الراحل، "محفوظ عبد الرحمن" نجد أنفسنا نسافر بأسماعنا عبر آلة الزمن، نحو موسيقى وأغانى الحنين، نحو تتر مسلسل "بوابة الحلوانى" تلك الملحمة التى ألّفها محفوظ، وأصبحت مرسومة فى وجدان المصريين: "اللى بنى مصر.. كان فى الأصل حلوانى.. وعشان كده مصر يا ولاد.. حلوة الحلوات". ومع ذكر محفوظ عبد الرحمن، نركب بساط الريح، لنطوف فوق أعماله الخالدة فى الفن السابع، وعلى رأسها، "ناصر 56"، هذا الفيلم الأسطورى الذى جسد مرحلة عصيبة، فى تاريخ مصر الحديث، وفيلم "حليم" الذى نحته "عبد الرحمن" على الورق، ليغرقنا فى تفاصيل هى الأولى من نوعها، ولولا قيام أحمد زكى ببطولة الفيلم بعد أن هزمه المرض، وقضى على خلايا الموهبة بداخله، لكان فيلم "حليم" من أفضل الأفلام فى تاريخ السينما المصرية. لم يكن الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، اسمًا تقليديًا بين كتّاب جيله، بل كان صاحب بصمة درامية وأدبية ومسرحية، جعلته يستحق "إنحناءة الاحترام" من تلاميذه، ما دفع الدولة لمنحه جائزتها التشجيعية عام 1972، والتقديرية فى الفنون عام 2002، فضلًا عن جائزة أحسن مؤلف مسرحى 1983 من الثقافة الجماهيرية، والجائزة الذهبية من مهرجان الإذاعة والتليفزيون عن مسلسل "أم كلثوم"، الذى التف حوله ملايين المشاهدين فى الوطن العربي، كما حصد "محفوظ" جائزة العقد لأفضل مبدع خلال "10 سنوات" من مهرجان الإذاعة والتليفزيون. رحلة طويلة من العطاء، انتهت عصر أمس الأول السبت، يرحل بعدها فيلسوف الدراما المبدع محفوظ عبد الرحمن، إلى العالم الآخر تاركًا رفاقه ومحبيه وعلى رأسهم زوجته الفنانة القديرة سميرة عبد العزيز، صاحبة البصمة المميزة على آذان المصريين، من خلال البرنامج الإذاعى "قال الفيلسوف"، هذا الصوت الهادئ الذى كان يحاور الفيلسوف عبر أثير الإذاعة لتجلب الحكمة للمستمعين، ولكن المشهد الحالى يبدو دارماتيكيًا، فالفنانة القديرة تستعد لتلقى العزاء فى رفيق الرحلة وسط تساقط دموعها حزنًا على فراقه. قبل رحيل محفوظ عبد الرحمن بأيام قال أحد تلامذته على مواقع التواصل الاجتماعى: "لماذا لا نشعر بقيمة العظماء فى حياتنا إلا بعد رحيلهم؟ لماذا فوتت الحكومة فرصة علاج محفوظ عبد الرحمن أحد العظماء القلائل فى حياتنا، على نفقة الدولة فى الخارج، ونستغل أن قلبه مازال ينبض بالحياة، فهو أعظم من الذين هزوا وسطهم فى زمن ما، وتم علاجهم على نفقة الدولة". وفى النهاية، وبعد دوران حركة الزمن، يغادر الفيلسوف موقعه إلى مثواه الأخير قبل أن يمر شريط حياته أمام زملائه الذين حرصوا على وداعه الوداع الأخير ليلحق برفاق المشوار الدرامي، أسامة أنور عكاشة، ومحمد صفاء عامر، وخيرى شلبى.