من منا لم يسمع عن حوادث الطرق سواء كانت سيارات أو قطارات؟ فقد أصبحت آفة اجتماعية أخطر مما يمكن أن نتوقعه نظرًا لما تخلفه من نتائج، وللعامل البشرى دور كبير كونه المتسبب الرئيس لحدوثها ووقوعها. لذا فقد حان الوقت لدق ناقوس الخطر عن هذا الإرهاب الصامت الذى لا يزال يخلف لنا موتى ومعاقين وأرامل ويتامى، فهل من المعقول أن ننافس الدول على المراتب الأولى فى عدد قتلى الطرق؟! أرقام مفزعة لضحايا حوادث الطرق، نزيف الأسفلت لا يرحم أكثر من الإرهاب الذى يشهر بنادقه فى الوجوه أو يسلط مواده المتفجرة قاصدًا أجسادنا، حوادث الموت على الطرق السريعة والسكك الحديدية تحصد الأرواح بلا هوادة، فحينما ينشغل الإرهاب ويدير ظهره للمصريين، تتربص بهم المنية القابعة على الطرق المتعرجة أو المفارق المظلمة يوميًا فلا تستطيع التفريق بين أشلاء ضحية عملية إرهابية وبقايا شخص فى حوادث الطرق بصفة عامة. وفى الوقت ذاته مازال مسئولو الطرق يتهربون من مسئولية الحوادث ويتهمون السائقين بأنهم السبب الرئيس فيها، فى الوقت الذى أصبحت مصر فيه تحتل المركز الأول على مستوى العالم فى حوادث الطرق، وأصبحت تفقد سنويًا حوالى 20 ألف مواطن بسبب حوادث الطرق. وهنا أشير إلى نقطة مهمة وهى أن الإهمال لا يقل خطرًا عن الإرهاب.. كلاهما يحصد أرواح الأبرياء وكلاهما يقتل بلا رحمة، والإهمال أشد فتكًا، فهو يقضى على أى ثمار للتنمية المنشودة وإذا كانت مصر تخوض حربًا ضد الإرهاب فعليها أيضًا مسئولية وواجب الحرب ضد الإهمال، والذى أصبح ظاهرة وآفة المسئولين فى مصر المتهاونين بأرواح الأبرياء إذ يكتفون بعد كل كارثة أو حادثة بالتعويضات الفورية والبحث عن كبش فداء والعمل على تهدئة الرأى العام دون معالجة الأسباب الحقيقية، ومعالجتها والتأكيد على أن الإهمال هو الجرثومة وأداة القتل العنيفة، وأنه إذا كان هناك المئات يقتلون بسبب الإرهاب فهناك الآلاف أيضًا يتساقطون بدم بارد بسبب الإهمال وأن على الدولة إعلان الحرب على الاهمال لأنه لا يقل خطورة عن الإرهاب وألا تترك الإرهاب والاهمال يدًا واحدة!! ترجع زيادة معدلات هذه الحوادث بسبب التراخى فى أعمال المتابعة والمراقبة المستمرة لأداء العمالة الفنية إلى جانب عدم الالتزام بقواعد التشغيل التى تحقق الأمان والسلامة لحركة القطارات، فمصر فقدت خلال ال25 عاما الماضية عددًا كبيرًا من الأرواح فى حوادث الطرق والقطارات لم تفقدها خلال سنوات الحرب مع إسرائيل. وللحد من اخطاء العنصر البشرى لابد من التطبيق الصارم والعادل لمبدأ الثواب والعقاب وربط ترقى العاملين بتقييم أدائهم ونشر ثقافة السلامة وإعداد برامج تحفيزية مادية ومعنوية لتشجيع العاملين فى مجال السلامة. الخلاصة: إن قطارات مصر فى الفترة الأخيرة تصطحبك إلى الجنة، فعليك فقط الذهاب لمحطة القطار وقطع تذكرتك إلى الآخرة وحجز مقعدك، وعليك أن تكتب وصيتك قبل السفر بسبب حوادث القطارات المستمرة، فقطار يخرج عن القضبان وعربة تنفصل عن العربة الأخرى وقطار آخر يصطدم بسيارة أو قطار. ويبقى السؤال متكررًا: هل تصبح تذكرة القطار بصفة خاصة تأشيرة خروج من الدنيا بسبب إهمال المسئولين؟! ............................... الباحثة فى علم الاجتماع