بتحرير مدينة الموصل آخر معاقل تنظيم داعش فى العراق واقتراب نهاية التنظيم المتطرف فى سوريا بتحرير مدينة الرقة السورية )عاصمة الخلافة المزعومة لداعش(، تطرح التساؤلات نفسها حول مستقبل الوجود الأمريكى فى البلدين اللذين مزقتهما الحروب وعن خطط إدارة ترامب بعد الانتهاء من القضاء على التنظيم. كما أثيرت تساؤلات أخرى بشأن مستقبل القوى والأجندات المتصارعة فى الحرب بسورياوالعراق، وهل تلك القوى ستدعم استقرار النظام والأمن أم ستواصل دعم الجماعات المسلحة المتقاتلة التى كانت سببًا رئيسًا فى نشوء تنظيم داعش؟ هذه التساؤلات أجابت عنها صحف أمريكية، حيث قالت صحيفة الواشنطن بوست «بعد القضاء على داعش باستعادة الموصل واقتراب تحرير الرقة، تلوح فى الأفق عدة تساؤلات مفادها ما هو شكل النظام الأمنى الذى سيحل محل داعش وأى من القوى الخارجية التى لها تأثير فى الحرب بالعراقوسوريا ستدعم هذا النظام؟، حيث لا يبدو أن إدارة ترامب لديها استراتيجية بشأن ذلك، لكن يبدو أن آخرين لديهم، حيث تدفع إيرانوروسيا جنبًا إلى جنب عملائهم الشيعة السوريين والعراقيين للسيطرة على المساحة التى سيتركها داعش بالرقة بشرق سوريا والتى تتعرض أيضًا لهجوم قوات عربية سورية وكردية لتحريرها. وتشير الصحيفة إلى أن المنطقة السورية الغنية بالنفط جنوب الرقة والممر البرى بين بغداد ودمشق تأمل إيران فى السيطرة عليهما، كما تتمنى روسيا من جانبها أن تخرج الولاياتالمتحدة من المنطقة، حيث تعرضت قوات مدعومة من الولاياتالمتحدة فى الركن الجنوبى الشرقى السورى لضغوط من قبل الميليشيات الشيعية التى تدعمها إيران، وقصف قادة عسكريون أمريكيون قوافل مرتين، دخلت منطقة الحظر حول حدود المدينة التى بها مستشارون أمريكيون ودمروا طائرة تابعة للميليشيات. وأضافت الصحيفة أن إيرانوسوريا يظنان أنه ربما تم إقناع ترامب بالتخلى عن المنطقة بدلًا من المخاطرة بالانزلاق فى حرب بالصحراء السورية غير مرتبطة بداعش، وأوضحت الصحيفة أن الولاياتالمتحدة ليس لديها سبب استراتيجى للسيطرة على جنوب وشرق سوريا لكن لها مصلحة حيوية لمنع إيران من هيمنة تمتد من طهران إلى البحر المتوسط بدعم روسى وهو ما يمثل تهديدًا وجوديًا بالنسبة لإسرائيل التى تجاهد بالفعل لمنع التسلل الإيرانى للمنطقة السورية المتاخمة لمرتفعات الجولان. ولمنع إيرانوروسيا من القيام بذلك يتطلب دفاعًا تكتيكيًا من قبل القوات المدعومة من الولاياتالمتحدة مثل تلك ما أمر بها القادة العسكريون الامريكيون على الأرض، ولكنها ستتطلب أيضًا استراتيجية أشمل لخلق نظام أمنى فى المنطقة تقبله الولاياتالمتحدة وحلفاؤها ولتحقيق هذا تحتاج الإدارة إلى أن تصعد من الضغوط العسكرية والاقتصادية على إيرانوروسيا والحكومة السورية فيما يتم الضغط من أجل إجراء مفاوضات بشأن النظام السياسى السورى الجديد . ولا ينبغى على الولاياتالمتحدة أن ترفض فقط خدعة موسكو فيما يخص المجال الجوى السورى ولكن أيضًا يجب على إدارة ترامب أن توضح لنظام فلاديمير بوتين أنه إذا استمر فى التحالف مع إيران فى المنطقة فسوف يخسر أى فرصة لإعادة العلاقات مع واشنطن. وفى دراسة أجرتها مجموعة الأزمات الدولية، أكدت أنه ستنشأ صراعات كبيرة بين العرب والأكراد وبين الشيعة والسنة وبين القوى المتجاورة مثل إيرانوتركيا وبين الأكراد أنفسهم، حيث ستدعم تلك الصراعات أسلحة وتدريبات عسكرية أمدتها بهم حكومات أجنبية فى انخراط لتدافع مجنون من أجل الغنائم. موضحة أن الحملة على الرقة تشكلت بتركيبة جيوسياسية معقدة، حيث تدعم الولاياتالمتحدة قوات سوريا الديمقراطية بينما تعاديها تركيا بسبب علاقاتها بحزب العمال الكردستانى المحظور وهو جماعة كردية منفصلة أقرت واشنطن وأنقرة أنها منظمة إرهابية. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن التحدى طويل الأمد هو معالجة العوامل المعقدة التى خلقت الظروف لنمو داعش والتى تشمل العداء المدمر بين السنة والشيعة المسلمين والفساد وفشل الحكومات فى تلبية احتياجات المواطنين الأمنية والاقتصادية. وأشارت إلى أن سكان الموصل يعانون مشاكل نفسية بسبب الاعتداءات الجسدية والجنسية التى واجهوها خلال الثلاث سنوات منذ سيطرة داعش على المدينة، كما تم تدمير المدينة ومسجد النورى الذى يعتبر معلمًا من معالم المدينة والكثير من بقايا التراث الثقافى والدينى. وأوضحت أن مدينة الموصل تحتاج لحوالى مليار دولار أمريكى لإعادة الإعمار، حتى يستطيع العراقيون المشردون العودة إلى ديارهم، حيث رفعت دول التحالف التى التحقت بأمريكا فى الحرب ضد داعش الأموال التى تقدم من خلال الأممالمتحدة لإعادة الإعمار فى سورياوالعراق، والتقت بعض هذه الدول فى واشنطن الأسبوع الماضى لاتخاذ قرار بشأن الخطوات المستقبلية للتعافى. وأضافت الصحيفة أن السؤال غير المجاب عليه، هو كيفية التأكد من ضمانات الحكومة الشيعية العراقية لأمن الأقلية السنية وإدخال السنة فى العملية السياسية؟! حيث تم إثبات فشل ذلك بعد غزو الأمريكانالعراق وإزاحة صدام حسين وهو ما خلق أرضية خصبة لازدهار داعش، واستطردت الصحيفة أن العبادى يبدو أكثر شمولية عن سلفه لكن هناك طريقًا طويلًا للمضى فيه، حيث يتطلب الأمر جهودًا كبيرة لقمع الفساد الذى قوض الثقة العامة. وأشارت الصحيفة إلى أن التوترات بين الأكراد والعراقيين فى شمال العراق يجب أن يتم إدارتها جيدًا، كضرورة للتطلعات الكردية للاستقلال فى كردستان العراق، وأضافت أنه من المهم أيضًا منع إيران من توسيع نفوذها فى العراقوسوريا، مشيرة إلى أنه بدون حل هذه المشاكل فإن كلا منها من شأنه أن يهدد العملية السياسية العراقية ويؤدى إلى صراعات جديدة من الممكن أن تستغلها داعش. وتابعت الصحيفة أن المعضلة الأخرى هى ماذا نفعل مع مقاتلى داعش الذين يذوبون فى المجتمعات المحلية ثم يكونون جماعات من جديد ليس فقط فى الشرق الأوسط ولكن فى أجزاء بعيدة من العالم، لذا يجب أن تكون هناك جهود من أجل إقناع الشباب بعدم الالتحاق بالجماعات المسلحة تتخذ الإسلام عنوانًا لها من أجل تحقيق أغراض عنيفة. وأكدت تقارير غربية أن المخططين العسكريين فى واشنطن يجهزون بالفعل للمرحلة المقبلة فى سوريا، وشددت تصريحات لمسئولين بارزين فى إدارة ترامب على بقاء القوات الأمريكية فى سورياوالعراق بعد داعش، حيث قال وزير الدفاع الأمريكى «جيمس ماتيس» إن بقاء الجنود الأمريكيين على الأرض يعتبر مصلحة قومية، كما أعرب مسئولون آخرون بالبنتاجون عن رغبتهم فى بقاء الجنود الأمريكيين بالعراق. وأوضح «ماتيس» أن التدخل الأمريكى فى العراق لن ينتهى باستعادة الموصل من تنظيم داعش، وقال إنه لا يرى سببًا للانسحاب مرة أخرى ومواجهة نفس الدرس، مضيفًا أن «الولاياتالمتحدة تحتاج أن تظل بشكل حاسم تعمل فى العراق»، واتفق رئيس الأركان المشتركة جوزيف دانفورد مع ماتيس وقال: إن قوات الأمن العراقية ستحتاج للدعم الأمريكى لسنوات قادمة. وطالبت الميزانية المالية الأمريكية لعام 2018 ب1.3 مليار دولار لدعم القوات العراقية لاحتواء ما قالت عنه الولاياتالمتحدة صراعات طائفية وعرقية ومنع الآلاف من أنصار داعش من الاستمرار فى الحرب. يذكر أن عدد القوات الأمريكية فى العراق يبلغ 5262 شخصًا وفى سوريا 503 أفراد، وذلك طبقًا للبرنامج الذى أقرته إدارة أوباما السابقة على المستوى الرسمى، لكن تقارير غربية أكدت أن العدد الحقيقى أكثر من العدد المعلن ببضعة آلاف، حيث يخفى البنتاجون العدد الحقيقى لقواته فى العراقوسوريا، كما توجد العديد من القواعد الأمريكيةبالعراقوسوريا، فقد أكدت صحيفة الديلى بيست أن صورًا لأقمار صناعية كشفت عن بناء واشنطن العشرات من القواعد العسكرية فى الصحراء الممتدة بين سورياوالعراقوالأردن. وأضافت الصحيفة أن الولاياتالمتحدة عندما خططت للتدخل فى الحرب بسوريا عام 2013 كان هناك 300 موقع محتمل لإقامة قواعد عسكرية لدعم القوات الأمريكية وأنه منذ ذلك الحين والبنتاجون يتوسع فى تلك المنطقة عبر إنشاء قواعد فى سورياوالعراقوالأردن كان آخرها بناء اثنين من القواعد، الأولى فى الأردن على مقربة من سوريا والثانية جنوبسوريا وهى لا تبعد كثيرًا عن الأولى، حيث يمكنها أن تقدم الدعم للطائرات دون طيار والمروحيات وطائرات العمليات الخاصة، غير أن العدد الدقيق للقواعد الأمريكية التى يتم بناؤها يبقى سرًا. وأشارت تقارير إخبارية إلى أن القوات الأمريكية باتت توجد فى خمس قواعد عسكرية كبيرة فى وسط وغرب وشمال العراق منذ انطلاق العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش أواخر عام 2014. ويبقى أن التواجد الأمريكى فى العراقوسوريا يهدد بنوع جديد للغزو تتصارع من أجله أطراف دولية ومحلية الفوز بغنائم تمزيق البلدين ويبقى الشعبان السورى والعراقى ضحية الأجندات العالمية والإقليمية المتصارعة بعد دخول عناصر دولية جديدة فى المنطقة أثارت لعاب أمريكا مرة أخرى لاقتسام الكعكة.