من منا لم تغرق ساعاته وفنت أوقاته فى أماكن عدة كُتب عليه أن يبقى فيها " على قيد الإنتظار " أسير الوقت والعقارب يحملق ويتساءل ويتذمر ويتملل .. متى الفرج ؟ ومتى أتحرر من هذه الجدران ؟! أروقة الإنتظار .. حتما هى ضرورية لقضاء الأمور والأعمال ولكن ما نغفله جميعا وبعيدا عن ذلك الأثر السلبى الذى تتركه بداخلنا ساعاتها "خاصة إن تمادت فى إغتيالنا" ما تمتلئ به جعبتنا من حكاوى وقصص تسربت إلى مسامعنا سواء كان ذلك بمشاركة الحديث أو بإنزلاقه فى آذاننا ، أماكن وجدران ندخلها فارغين من كل فكر وأيادينا محملة فقط بطلبات وآمال وإستفسارات ، نتربص بالوقت كأنما العمر علق حياته على جدار الشئ المُنتظر ، تلهث عيونك خلف كل حركة فى المكان فى محاولة لإدراك تفاصيل تفاصيله ، ويدفعك الإنتظار إلى الفحص وبدقة فى لغات من هم حولك جسدا قبل حرفا ، ورويدا رويدا تنصهر أبجديتك فى بوتقة الإنتظار لتدخل عالماً لن تدرك ما تركه من ثقل ورهبه بداخلك إلا بعد أن تتحرر منه وتقلعك عنه بوابة الإنتظار . لتتحدث وتتحدث مع هذا وذاك ، هذا الذى أتى من أقصى الشمال يغربلك بفطنته وخبرته ، وذاك الذى أتى من أقصى الجنوب يغازلك براحبته وفطرة شهامته ، وتلك الغريبة التى صالت وجالت ولازالت على قيد الإنتظار ، وغرباء وغرباء باعدتهم الظروف وأتوا من جديد يمطرونك بمعان جديدة عن أماكن وأناس لن تراهم أبدا ما حييت ، وثقافات ما لمحتها يوما سوى فى دهاليز الكتب وشاشات التلفاز ، ومآسى يشيب لها الرأس تتسرب أوجاعها على شفاه الغرباء بغرابة تُقربك إليهم لتشعر لوهلة بأنهم أقرب من كل قريب ، ينصهر الوقت وتنسى بعثرات القلق وتنطلق فى رحلة حدودها عيون هؤلاء المحيطين بك فى قاعة الإنتظار ، وتختبر عوالم لم تزرها ، وأوجاع لم تعشها ، وأفراح كدت تنسى كيف هو مذاقها ، وتختبر ذاتك قبل كل شئ ، لتنبهر تارة وتندهش تارة أخرى من هذا الذى يسكنك وما كنت تعرفه من قبل ، لتخرج فى النهاية إما مقدراً لذاتك أو مؤنباً لها ، هى فرصة وهدنة فى ذات الوقت ، فرصة لإكتشاف الذات وهدنة مع النفس لمراجعة كافة الحسابات فى براح الضيق تجد ما لن تجده فى براح الإختيار ، وهذا الذى لا نعرفه عن أروقة الإنتظار ، قد تخرج منها بإجابة لإستفسارك ، أو إمضاء يلبى حاجتك ، ودواء يشفى علتك ، والمؤكد أنك ستخرج منها بخبرة عظيمة لن تمنحها لك الحياة بهذه البساطة لولا صدفة عجيبة جمعتك بغرباء الإنتظار .. وبقى أن نتحدث سريعا عن "إنتظار الشعوب " حيث كل الأرض " قاعة إنتظار " فلا أبواب ولا جدران فى شوارع لطختها الدماء وعبثت بمقدراتها كفوف النكران ، وشعب عيونه معلقة بقادة الحكم ؟ فمتى يأتى الثأر يا سادة القرار ؟!