بعد تدخل القوات الدولية والإقليمية منذ أكثر من ست سنوات لمحاربة التنظيمات الإرهابية والسعى فى نفس الوقت فى اتجاه الحل السلمي للأزمة السورية يبدو أن الصراع داخل سوريا قد انحسم بين قوتين عظميين وهما التحالف الدولي بقيادة أمريكا، والتحالف الروسي مع النظام السوري، ومن بوادر ذلك أن الأزمة السورية شهدت مؤخرا ومنذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم تطورا مغايرا عن استراتيجية أمريكا في عهد الرئيس أوباما الذي شهد تقاعسا من إدارته في التدخل في الأزمة السورية الأمر الذي سمح لروسيا بالتدخل بقوة منذ العام 2015 وتمكنها من أخذ دور الريادة فى تغير مجريات الأحداث في سوريا على حساب مصالح القوى الدولية والاقليمية. ويبدو أن الصراع بين القوتين العظميين قد بلغ ذروته الآن من أجل الهيمنة على الأجواء السورية، تلك الأجواء التي باتت مفتوحة على كل السيناريوهات وذلك بعد هذا التصعيد الأخير الذي شهدته الأجواء السورية خلال الأسبوع الماضي على إثر إسقاط قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا لطائرة مقاتلة من طراز سوخوي 22 تابعة للجيش النظامي السوري يوم الأحد الماضي بحجة استهداف الطائرة لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أمريكا لطرد داعش من الرقة وفقا للرواية الأمريكية، ثم إعادة أمريكا الكرة وقيامها يوم الثلاثاء الماضي بإسقاط طائرة مسلحة بدون طيار بالقرب من الحدود العراقية جنوب شرق سوريا، وعلى خلفية هذا التصعيد اعتبرت روسيا أن هذا الاعتداء يعتبر انتهاكا لسيادة الدولة السورية وانتهاكا للمواثيق الدولية من خلال تكرار استهداف جيشها النظامي وبما يعني حماية أمريكا لوجود الإرهابيين وبما يؤجج الصراع ويطيل أمده بالمنطقة، ومعه فإن روسيا وعبر وزير خارجيتها لافروف قد صعدت من لهجتها وأعلنت تعليقها للاتفاق المبرم بين تلك القوى في المجال الجوي السوري لحماية القوى الدولية التي تحلق في السماء السورية، وأيضا استهداف روسيا لأي جسم طائر لقوات التحالف بالبادية السورية، ومحذرا واشنطن فى الوقت نفسه من تكرار عملياتها العدائية والاستفزازية شمال وجنوبسوريا وهو القرار الذي أخذته استراليا على محمل الجد وأعلنت عن تعليق عملياتها الجوية مع التحالف بسوريا كإجراء احترازي . إن روسيا قد رأت في النوايا الأمريكية في عهد ترامب استهدافا لضرب الجيش السوري برا وبحرا وجوا من خلال حججها الواهية، كما أنها رأت في التحركات العسكرية الامريكية تهديدا لوجودها ومصالحها الاستراتيجية في سوريا، وبمعنى آخر تحول في الاستراتيجية الأمريكية تجاه أهدافها ومصالحها الحقيقية في سوريا أي تحولها من حجة محاربة الإرهاب إلى أن تصبح طرفا أساسيا في تحريك مسار الحرب الأهلية السورية، ومن ثم إعلانها مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات، صحيح أن أمريكا بعد تلك التهديدات الروسية قد أعلنت عن عدم نيتها التصعيد العسكري مع روسيا والتوافق معها على محاربة داعش إلا أن الوقائع والتحركات الأمريكية على الأرض تثبت للروس عكس ذلك، وهو ما يؤكده المحللون العسكريون والسياسيون الذين يرون أن الطموحات الأمريكية وما شهدته من تحركات في عهد الرئيس ترامب الآن قد تجاوزت سقف المعلن بأكثر مما يتوقع من خلال نشر أمريكا لراجمات صواريخ قرب الحدود العراقية والأردنية بدون مبرر مقنع، وإنشاء وتطوير أمريكا لقواعدها العسكرية بالمنطقة لتطويق الجيش السوري والدليل على ذلك استهداف مطاراته وميليشياته المتحالفة معه خلال الأشهر الأخيرة، وسعي أمريكا للسيطرة على الحدود السورية العراقية لمنع تمدد النفوذ العسكري الإيراني، وقيام أمريكا بتدريب قوات سوريا الديمقراطية في الشمال السوري كبداية لتقسيم سوريا، وغيرها من الاستعدادات الأمريكية التي تسعى لتحقيق وجودها وفرض هيمنتها على كل القوي وعلى المجال الجوي السوري، وكل ذلك من أجل تحجيم النفوذ الروسي لتصبح أمريكا بتحالفها الطرف القوي في المعادلة وأيضا استرضاء القوى الإقليمية والدولية على حساب وحدة التراب السوري، يحدث ذلك في الوقت الذي تسعى فيه روسيا من خلال قوتها العسكرية بالتعاون مع الجيش النظامي السوري لاستعادة الأراضي السورية ومحاربة التنظيمات الإرهابية من جهة، ومن جهة أخرى مواصلة دفع حل الأزمة سلميا عن طريق جينيف والأستانة بمباركة أممية، وأمام هذا الصراع المعلن والمتأزمن بسبب تعارض النفوذ والمصالح والتحكم فى الحل وتوزيع الخريطة السورية، أم العمل بنزاهة وشرف وتفضيل القوتين العظميين للحل السلمي للأزمة السورية وتجنيب العالم الدخول فى حرب كارثية لا يحمد عقباها.