كان غريباً وصادماً تصفية القذافي جسدياً في العشرين من أكتوبر. الأبْشّع تجلي في التمثيل بالجثة التي وضعت في وحدة تبريد ظلّ بابها مفتوحاً من أجل السماح للطوابير التي اصطفت وضمّت الرجال والنساء والأطفال كي يشاهدوا الجثة التي وضعت شبه عارية علي حاوية قذرة. منظر يشيب له الولدان ولا أعلم ماهي الحكمة التي دعت مسؤولي ليبيا الجُدد الي مثل هذا التصرف الوحشي؟! الجثمان ازداد لونه سواداً وعجزت وحدة التبريد عن منْع التحلل السريع له فتعفن وتصاعدت رائحته الكريهة الأمر الذي استوجب من الزوار وضع كمامات لمواجهة الرائحة التي تُزْكّم الأنوف. من قاموا بتصفية القذافي مثلوا بجثته ونكّلوا بها وأخروا دفنها، فعكسوا بذلك تصرفاتهم الهمجية الوحشية الدموية. التمثيل بالقذافي جري قبل القتل، وبعده. قُتل غْدراً بلا محكمة. عُذب ونكل به قْبل الاجهاز عليه. صحيح أن القذافي سفك الدماء وعاث فساداً في الارض ولكن كان هذا يقتضي الابقاء عليه حياٍ كي يمثل أمام القضاء. بيدّ أن آسريه آثروا عدم محاكمته فمات صفعاٍ وركلاً ونهْشاٍ وهْبشاٍ. سار مترنحاً نحو مصيره البائس. حتي عملية دفنه تمت في سرية وفي مكان مجهول في الصحراء كي يمحي أثره ويمحق ذكره. تساءل الكثيرون لماذا لم يتم التحقيق معه لمعرفة أسرار جرائم ارتكبها. وللوقوف علي الاسباب التي دعته الي تدمير طاقة شعبه؟ ولكن من قاموا بتصفيته آثروا أخذ القانون بيدهم ليثبتوا أن لغتهم الدم وعقيدتهم القتل. قتل القذافي جاء عمدا للتعتيم علي ماكان يمكن أن يفصح عنه أمام القضاء، فهو بلا شك يملك كنزاٍمن الاسرار والتي كانت كفيلة بأن تحرج قيادات الغرب خاصة هؤلاء الذين سعوا للتقرب منه طمعاً في نفط ليبيا التي تعوم علي أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا. كان يتعين علي المجلس الانتقالي أن يحفظ للقذافي حياته للمثول أمام القضاء ومعرفة الأسباب التي دفعته الي تدمير طاقة شعبه وإهدار مال الدولة، وماهي الجهة الدولية التي اقترحت عليه فكرة دولة 'إسراطين'؟ ولماذا عمل علي تقسيم السودان وتدمير الصومال وطرد الفلسطينيين من ليبيا؟ وهل كان حليفاً لإسرائيل وعزز وجودها في المنطقة؟ أقوال القذافي أمام القضاء كانت ستكشف عن أسرار كثيرة ويبدو أن هناك من رأي أن هذا لن يصب في مصلحته فكان أن أصدر القرار بتصفيته ليتم التعتيم علي كل شيء، غير أن من اغتاله اتبع أسلوباً يتنافي مع كل تعاليم الاسلام والقيم والأخلاق. ويكفي أن أسلوب التصفية جسّد التجرد من الآدمية وعكس صورة وحشية وغير حضارية تمت إلي الاديان بصلة. ونسي هؤلاء وسط الرغبة المحمولة التي سيطرت عليهم ودفعتهم إلي تصفية القذافي أنهم بفعلتهم هذه حولوه من طاغية إلي شهيد وأن من يرتكب مثل هذه الجريمة لا يمكن أن يبني حضارة ويُشيد دولة قائمة علي القيم والمبادئ..