جاء القرار الذى اتخذه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مؤخرا بإعلانه الانسحاب من اتفاق باريس للتغير المناخى كالصاعقة على دول الاتحاد الأوروبى، فبرغم تخفيفه قرار الانسحاب وإعلانه الاستعداد للدخول فى مفاوضات جديدة لإجراء تغييرات فى بنوده لصالح بلاده فإن قراره قوبل بالرفض وبخاصة من جانب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون والجانب الألمانى بقيادة أنجيلا ميركل اللذين يعبران عن توجهات الاتحاد الأوربى ويقران عدم الاستعداد للدخول فى أية مفاوضات أو تغييرات بشأن الاتفاق الدولى للمناخ الذى أيدته أكثر من 190 دولة بمباركة أممية, ولهذا فان باريس ترفض إجراء أية تغييرات فى تلك الاتفاقية التاريخية التى سعت من خلال دبلوماسية متميزة لإقناع أكبر عدد من الدول بقيادة الرئيس السابق هولاند , وبالفعل فإن باريس ساهمت فى نجاح المفاوضات والوصول لاتفاق مقبول لمختلف الأطراف الدولية وبخاصة الدول الكبرى التى تتحمل مسئولية كبيرة تجاه مشكلة التلوث المناخى الذى يهدد الكوكب برمته وعلى رأس تلك الدول أمريكا والصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب إفريقيا. إن قرار انسحاب أمريكا من اتفاق باريس للمناخ برره الرئيس ترامب بأنه اتفاق لا يعمل لصالح أمريكا بل إنه يخدم البلدان الأخرى ويمس سيادة بلاده فى الوقت الذى يدافع فيه هو عن مصالح بلاده بسبب آثار الاتفاق السلبية وفق رؤيته على القطاعات الصناعية فى بلاه والذى سيؤدى مستقبلا إلى خسارة الأمريكيين لستة ملايين وظيفة وأكثر من 3 تريليونات دولار، و7 آلاف دولار لدخل العائلة بأمريكا مع حلول العام 2040, ولهذا يرى ترامب أن هذا الاتفاق يستوجب إدخال تعديلات على بنوده من شأنها أن تعمل لصالح بلاده، ويأتى هذا القرار خروجا على الرئيس الأمريكى السابق أوباما الذى وقع على الاتفاق وساهم بمليار دولار لدعم الدول غير القادرة وهو الأمر الذى لم يعجب الرئيس ترامب الذى يرى فيه تقاعس الدول الأخرى عن دفع حصصها لصالح الصندوق. ولهذا فإن الرئيس ترامب الذى لم ينس لأوربا دعمها لمرشحة الديمقراطيين هيلارى كلينتون بأنه غير ملتزم باتفاق باريس الأمر الذى أغضب الاتحاد الأوربى وأغضب كلا من فرنسا وألمانيا القوتين الكبيرتين بالاتحاد وجعلهما يعملان على التوحد والدفاع عن الاتفاق المناخى ومن ثم أخذ زمام الريادة من الولاياتالمتحدة. لم يكن خروج الرئيس ترامب عن الالتزام بقوانين الاتفاق حول المناخ بباريس هو موضوع الخلاف الأول بين أمريكا والاتحاد الأوربى بل جاء الاختلاف منذ بداية ترشحه لرئاسة أمريكا من خلال برنامجه الانتخابى الذى جاء خارجا على أوربا وعلى العلاقات التاريخية بين الحليفين التقليديين والتى استمرت لسبعة عقود ,ومن بوادر هذا التصادم عدم رضا الرئيس ترامب عن أسباب تكوين الاتحاد الأوربي, وتدخله عبر تصريحاته فى شئون دول الاتحاد ومباركته ودعمه لبريطانيا لخروجها من الاتحاد الأوربى، وقراره المعلن عن الدعوة لتفكيك حلف شمال الأطلنطى ومطالبته الدول المكونة له بدفع حصصها مقابل دفاع أمريكا عنها, وتأجيجه للنعرات القومية التى وجدت صدى لها عند الأحزاب المتطرفة فى أوربا والتى تشكل تهديدًا على أوربا وقيمها، و دعوته لإعادة مناقشة ومراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع أوربا مهددًا فى حينه بالعمل على نسفها, وفى حالة تنفيذ ترامب لذلك فإنه سيصيب أوربا بالشلل التجارى، ومنذ تولى الرئيس الأمريكى ترامب لمهامه الرئاسية مازالت قراراته الغريبة والمثيرة للجدل تضرب أوربا فى العمق وتزيد الهوة والتباعد بين القوتين إذ تأتى قرارات ترامب ورؤاه عن القضايا الدولية ومشكلات الشرق الأوسط وعلاقاته الخارجية المنفتحة مع روسيا وموقفه من قضايا الإرهاب وحقوق الإنسان والملف النووى الإيرانى تأتى كلها بعيدة كل البعد عن الرؤى الأوروبية لتعارضها مع القيم والمبادئ والمصالح الأوربية، فمن تشدد ترامب لقضية اللاجئين والمهاجرين وانتقاده لسياسة ميركل المتعاطفة مع هذا الشأن، إلى قراره حظر دخول اللاجئين من 7 دول عربية وإسلامية لبلاده, إلى رؤاه المتخبطة حول حل القضية الفلسطينية، ودعوته لإقامة سور عازل مع المكسيك، ثم رؤاه عن حل الأزمة السورية , ومؤخرا القمة العربية الإسلامية الأمريكية وانعكاسات نتائجها على أوربا وغيرها من القرارات التى جعلت دول الاتحاد الأوربى متخوفة من مستقبل علاقاتها مع أمريكا الذى يشهد توترا كبيرا الآن فى عهد الرئيس ترامب الأمر الذى دفعها ودفع قادتها إلى الدعوة للتوحد لمواجهة تلك التحديات والصعوبات المتوقعة من جراء سياسة ترامب, والسعى نحو إيجاد شراكات جديدة لمواجهة هذا الخطر الذى لم تشهده أوربا فى علاقاتها مع أمريكا منذ عقود، فهل تنجح أوربا فى التعامل مع خطر هذا التصادم؟!