أخطأ مجلس النواب عندما أقحم نفسه عنوة فى شأن يتعلق بالقضاء وسارع بإصدار قانون يتم بمقتضاه تعديل قانون السلطة القضائية بحيث ألزم مجلس الدولة بتقديم ثلاثة مرشحين من الأعضاء الأكبر سنا من نواب رئيس مجلس الدولة ليصبح من حق رئيس الجمهورية الرئيس عبدالفتاح السيسى اختيار رئيس لمجلس الدولة من بين ثلاثة مرشحين. نعم أخطأ مجلس النواب عندما انفرد باصدار هذا القانون دون أن يضع القضاة فى الصورة، وتجاهل بذلك سلطة القضاء بما فيها من ضمانات تحمى قدسيته. لا سيما أن القضاة هم أهل الاختصاص المنوط بهم الالتزام بقواعد القضاء. ولهذا كان يتعين على مجلس النواب الاستماع إلى الأصوات التى عارضت القانون ومن بينهم القضاة أنفسهم حيث لم يتم أخذ رأيهم تفاديا للخلاف والصدام بين الأجهزة فى الدولة. ظهر خطأ مجلس النواب بوضوح عندما انعقدت الجمعية العمومية لمجلس الدولة مؤخرا وقامت بترشيح المستشار يحيى دكرورى لرئاسة المجلس بوصفه النائب الأول لرئيس مجلس الدولة حيث إنها تمسكت بمعايير القواعد القديمة فى اختيار رئيس المجلس، وبالتالى فإن الجمعية العمومية لمجلس الدولة لم تخطئ عندما رشحت المستشار دكرورى الأقدم بين الأعضاء حيث إن هذا الترشيح لم يشكل أى مخالفة قانونية أو دستورية، كما أنه لا يعتبر تحديا لرئيس الجمهورية كما أشاع البعض، بل على العكس فلقد ترك بذلك المجال مفتوحا أمام رئيس الجمهورية ليختار الأقدم من بين السبعة أعضاء. ويظل العتب قائما على مجلس النواب الذى وضع مجلس الدولة فى مأزق أمام خيارين، فهو إما أن يحترم قواعد الأقدمية ومبدأ استقلال القضاء، وإما أن يهدرها. وما فعله مجلس الدولة من خلال ترشيحه للدكرورى هو الحفاظ على عدم إهدار الثوابت بالنسبة لصيانة التقاليد القضائية الأصيلة. ومن ثم عمد على حفظ هيبة القضاء واستقلاله ليتسق هذا مع مفهوم الأقدمية الذى أسقطه مجلس النواب من اعتباره. وعلى النقيض كانت الجمعية العمومية لمجلس الدولة أكثر ذكاء ووعيا بعلم القانون من مجلس النواب. ونتساءل هل غاب عن مجلس النواب وهو يسارع باجازة القانون الذى أصدره أنه أرسى صداما بين السلطة القضائية من جهة والسلطتين التنفيذية والتشريعية من جهة أخرى؟ وأنه أخطأ عندما سارع وأقر قانون الهيئات القضائية الجديد على غير رغبة القضاء الذى لابد من احترام قواعده وعدم المس بقدسيته لا سيما وهو الحامى للحقوق والحريات داخل مصر. ولا يغيب عن كل ذى عينين أن مجلس النواب باصداره هذا القانون الجديد قد اجترأ وحاول التوغل على السلطة القضائية، وبالتالى فهو لم يراع المصلحة العامة لا سيما وأن المادة 184 تحرم التدخل فى شؤون العدالة. لذا كان يتعين على السلطة التشريعية احترام مطالب القضاة وعلى رأسها ممارسة دورهم فى التشريعات الخاصة التى تتعلق بتنظيم شؤون القضاء. وبالمثل كان يتعين على السلطة التنفيذية النأى بنفسها عن الأزمة حتى لا تزداد تفاقما، وحتى لا يحتدم الصراع والصدام بين السلطات، ولكى يظل للقضاء الاستقلالية الكاملة فى تنظيم شئونه. أيا كان يظل اللوم موجها لمجلس النواب، إذ أنه بتسرعه فتح المجال أمام مجابهة بين مؤسسات الدولة. وهى المجابهة التى كان يمكن له تلافيها فيما إذا تمهل والتزم بالحنكة.