منذ سقوط نظام الحكم البائد، لا تكاد البلاد تخرج من مشكلة، حتي تفاجأ بمشكلة أخري أشد خطورة، وأكثر عنفًا، لقد أصبحنا أمام سلسلة مستمرة من المشكلات التي تبدو في كثير من الأحيان 'مصطنعة'، والهدف من ورائها هو سيادة الفوضي، وصولاً إلي اسقاط الدولة. إنها مؤامرة علي الثورة وعلي الوطن، أطرافها معروفة، هذه القوي والأطراف إسرائيل وأمريكا وعملاؤهما وفلول النظام السابق الذين يسعون بكل ما يملكون من إمكانات إلي إعادة إنتاج النظام القديم مرة أخري. وإذا كنا نلقي بالاتهامات علي هذه الجهات، فإن إدارة الأزمة في الجهات المعنية أعطت المبررات لهذه الاطراف للنفاذ إلي الجسد المصري، ومحاولة إجهاض كل الخطوات التي تستهدف الخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة، وصولاً إلي حالة من الاستقرار تسمح بتحقيق أهداف الثورة وفتح الطريق أمام إعادة بناء المؤسسات وممارستها لدورهها والجهات المستفيدة من ورائها يشار إليها بالبنان، ويأتي في مقدمةالطبيعي في حماية الأمن والاستقرار ودفع عجلة الانتاج في البلاد. لقد كانت المؤامرة الأخيرة علي الأقباط وعلي الجيش، هي مؤامرة مخطط لها جيدًا، استهدفت الطرفين علي السواء، حركتها أياد آثمة، ومهد لها وأشعلها إعلام فاسد لديه أجندته ومخططاته، فتح أبوابه لدعاة الإثارة والتحريض ليشعلوها نارًا حامية الوطيس راح ضحيتها أكثر من 42 شهيدًا حتي الآن، ناهيك عن مئات الجرحي. ولم تكن المؤامرة فقط محلية، بل امتدت إلي الخارج لتنطلق الدعوات المطالبة بفرض الحماية الأجنبية علي مصر وكأن مصر أصبحت عزبة أو ضيعة للأمريكان والغرب وعملائهما داخل البلاد، إنها دعوة غريبة يطلقها البعض باسم الأقباط، والأقباط منهم براء. ان هناك مشكلات حقيقية للأقباط لا يمكن انكارها أو القفز عليها، لكن هذه المشكلات لن تحل إلا في البيت الداخلي وبرضاء جميع الاطراف المعنية، التي أقرت ويجب أن تقر بالمساواة بين الجميع، والكف عن سياسة التمييز أو عرقلة بناء دور العبادة لأسباب وهمية وروتينية. لقد ذهبت إلي قرية 'المريناب' بمركز ادفو بمحافظة أسوان، لأبحث وأدقق في تفاصيل واقعة هدم الكنيسة التي أشعلت نيران الغضب في نفوس الأقباط، فكانت الوقائع مغايرة وبالأدلة، وربما هذا هو ما دعا أشقاءنا الأقباط في القرية إلي عرض الأمر بصورة مختلفة عن هذا الذي نشاهده علي شاشات فضائيات الإثارة والفتنة. لقد بدا الأمر وكأن هناك مخططًا يستهدف الجميع، فالذين ضخموا الحدث، واشعلوا النيران علي حد وصف أشقائنا المسيحيين في 'الميرناب'، لم يكلفوا أنفسهم حتي زيارة القرية التي أصبحت ضحية لإعلام الفتنة ومزايدة أصحاب الأجندات الذين لا يريدون خيرًا بالأقباط ولا بالجيش ولا بالمسلمين. لقد أصبح الجيش هدفًا لهم، بالضبط كما فعلوا مع الشرطة وكما يحاولون أن يفعلوا مع القضاء، وكذلك الحال اسقاط مؤسسة الإعلام الرسمية، وكل رموز سيادة الدولة بلا استثناء. ان الملاحظ هنا من خلال متابعة الأحداث التي تشهدها البلاد في اعقاب انتصار الثورة ان المؤامرة تبدأ بعدة خطوات منظمة وصولاً إلي تحقيق الهدف وهي: 1 التشكيك في دور المؤسسة المطلوب إسقاطها، من خلال استغلال بعض الأحداث وإعادة انتاجها، والتشكيك في دور هذه المؤسسة وأهدافها، وما يثار عن علاقتها بالنظام السابق!! 2 توظيف الإعلام، خاصة إعلام الأجندات والذي تموله جهات مشبوهة تسعي إلي اسقاط الدولة وإنهاء دورها علي الساحة العربية والإقليمية لحساب إسرائيل، وهذا الإعلام يلعب الدور الأخطر في إثارة الفتنة وفتح الأبواب أمام المحرضين، والتعامل مع الشائعات المغرضة وكأنها حقائق مسلم بها. 3 المحرضون .. وهؤلاء في أغلبهم عبارة عن مجموعات من المرتزقة الذين اعتلوا ظهر الثورة، وحصلوا علي الأموال من الخارج لتنفيذ أجندات ومخططات محددة، تحت زعم أن الثورة لم تحقق أهدافها بسبب أن الشرطة والقضاء والجيش....إلخ، كلهم من بقايا النظام الفاسد 'كما يقولون'، وهؤلاء بدءوا حملات التحريض، منذ اليوم الأول لانتصار الثورة، وبدا أن هدفهم الحقيقي هو اسقاط الدولة وسيادة الفوضي باسم الثورة. وهؤلاء يمتلكون خبرة في إثارة المشاعر واستغلال أمراض الفقر والبطالة والفساد في المجتمع لتجييش الجماهير ودفعها إلي الصدام مع مؤسسات الدولة تحت زعم ان حكومة الثورة لا تلبي الاحتياجات الحياتية، وأنها لاتزال تمارس أدوار النظام السابق. ويحاول هؤلاء إثارة أصحاب المطالب الفئوية للضغط علي الدولة وإجبارها علي التسليم بمطالب اقتصادية تعجز عن الوفاء بها، في ظل العجز الكبير في الميزانية وزيادة نسبة الديون الخارجية وندرة الموارد وتراجع عجلة الإنتاج وهروب الاستثمارات منذ اندلاع الثورة. 4 ثقافة الكراهية: وهي ثقافة انتشرت في كافة الأوساط، بتخطيط منظم، والهدف من وراء نشر هذه الثقافة وسيادتها، هو التشكيك في النوايا، وشن حرب 'مكارثية' جديدة علي كافة الرموز والمثقفين، فالكل فاسدون، والكل من بقايا نظام بائد، والكل روجوا لهذا النظام حتي بدا الأمر غريبًا، وكأن هناك تعمدا في ترك الفاسدين الحقيقيين والتشكيك في الرموز الوطنية الذين قاوموا الفساد وتصدوا للنظام السابق، ليفقد الشعب المصري ثقته في الجميع، ويصبح مجرد أسير أو متلق لمقولات هؤلاء المشككين، الذين راحوا يشنون حروبًا منظمة ضد الإعلام الوطني المسئول وأصحاب الرأي وكتاب الأعمدة، فأصبح الجميع يخطب ودهم ويتخوف من حروبهم، خاصة أن لديهم سلاحًا بتارًا اسمه 'أعداء الثورة' يستطيعون اطلاقه عليك في أي وقت يشاءون. ولذلك ليس صدفة أن كثيرًا من الصحف ووسائل الإعلام أصبحت مجرد مطية لهؤلاء، تخطب ودهم وتزحف إليهم، وتقدمهم للمجتمع باعتبارهم نجوم الفكر والثقافة والوطنية، الذين اسقطوا النظام الفاسد وضحوا بكل ما يملكون، وجوه لا تاريخ لها ولا رؤية، ولا انتماء، وإنما يمتلكون فقط لسانًا مسمومًا، وتطاولاً غير محمود، وادعاءات كاذبة، وأجندات تآمرية، وجيوبا مكدسة بالأموال التي تأتي من الخارج تحت مزاعم عديدة ومتعددة، بينما تواري الثوار الحقيقيون خلف ستار، ورفضوا الدخول في سوق المزايدات والمتاجرة بدماء الشهداء. 5 مخطط الصدام .. بعد التشكيك والإثارة والتحريض، يأتي الدور علي مخطط استدعاء الجماهير تحت شعارات نبيلة، يشاركون في التظاهرات باعتبارها سلمية، وفجأة يجدون أنفسهم أمام صدام مع الشرطة تارة، ومع الجيش تارة أخري وقس علي ذلك، فبعد انهيار الشرطة وتداعيات هذا الانهيار، أصبح الهدف هو اسقاط القوات المسلحة، فالجيش في نظرهم لم يحم الثورة، وهو يمارس القتل شأنه شأن الشرطة، والمجلس العسكري الحاكم لا يعبر عن القوات المسلحة، والمشير هو امتداد للنظام السابق، والعسكر يرفضون الالتزام بجدول زمني، وإذا لبس المشير بدلة مدنية ونزل إلي الشارع تبدأ حملة مسمومة تزعم بأن المشير يعد نفسه للترشيح لرئاسة الجمهورية، وإذا بقي في مكانه فهو في نظرهم يعزل نفسه ويترك الأمور تمضي نحو الفوضي. وإذا قررت المؤسسة العسكرية مواجهة اعمال البلطجة ومحاكمة البلطجية فهم يحاكمون المدنيين أمام محاكم عسكرية، وقس علي ذلك، حتي بدا الأمر وكأن هناك تعمدًا واضحًا، هدفه بالاساس اسقاط الجيش حائط الصد الأخير بيننا وبين الفوضي، وهكذا بدأت الحرب الممنهجة ضد كل مؤسسات الدولة ورموزها وكيانها ووحدتها الوطنية بخطي متسارعة ومتتالية وكأننا أمام خريطة طريق تحدد ملامح الآليات والخطوات التي تستهدف اسقاط الدولة، وان هناك عقولاً تفكر من خلف ستار، تعطي التعليمات وترصد الامكانيات. إن السؤال المطروح هو كيف يمكن التصدي لهذا المخطط واجهاضه في مهده، قبل أن ينتشر كالنار في الهشيم، فيحرق الأخضر واليابس؟. والإجابة هنا تقول: إذا أردنا ضبط الأوضاع، فلابد من قوة العدل وعدل القوة، أما غير ذلك فهو الطريق إلي الفوضي. كلمات قصيرة إلي وزير التربية والتعليم في زمن الثورة، أصبح الطلاب والتلاميذ يتلقون التعليم في العديد من مدارس حلوان والتبين ومايو وبقية المناطق الأخري وهم واقفون، لقد عجزت وزارة التربية والتعليم عن تدبير مقاعد دراسية لهم، وهذا حقهم الطبيعي .. إنني سأضرب مثالين هنا، من مجموعة أمثلة عديدة علي هذه المشكلة، هناك مدرسة خالد بن الوليد بالتبين بها عجز 'ديسكات' لحوالي سبعة فصول، وهناك مدرسة سالم طماعة بحلوان تعاني نفس المشكلة، وكذلك الحال في العديد من المدارس الأخري، بل إن هذه المدرسة تحديدًا ترفض الإدارة تسليم الكتب لطلابها رغم وجود قرار سابق من وزير التربية والتعليم. إذا تساءلت لماذا تصمت الإدارات التعليمية في حلوان والتبين ومايو علي ما يجري؟ تدرك الإجابة المرة، لقد بح صوتهم، لكن الوزارة تصم اذانها، وهيئة الأبنية التعليمية لا تسمع، لا تري، لا تتكلم. إن المطلوب هو تدخل الوزير فورًا، ليس فقط في حلوان ولكن في كل أنحاء مصر، لتوفير الحد الأدني من مقومات العملية التعليمية، حتي يستطيع الطالب استيعاب الدروس، والمضي في مسيرته. حقوق عمال الأسمنت لايزال عمال شركتي أسمنت طرة وأسمنت حلوان ينتظرون تدخل رئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس الوزراء ووزير قطاع الأعمال لوضع حد لمعاناتهم بعد خروجهم علي المعاش المبكر. لقد سبق أن التقي ممثلو العاملين برئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء واشتكوا إليهما من ظلم مسئولي الشركتين الذين يرفضون مساواتهم بزملائهم، حيث لم يحصلوا إلا علي 93 شهرًا معاشًا مبكرًا، بينما حصل زملاؤهم علي 021 شهرًا ومكافأة المعاش المبكر. وبالرغم من تعهد الشركتين بمساواة العمال بزملائهم، إلا أن هذه الوعود تبخرت وذهبت أدراج الرياح. لقد تظاهر العاملون عدة مرات، لكن أحدًا لا يريد ولا يرغب أن يسمع صوتهم، ورغم ان عددًا منهم صدرت لهم أحكام قضائية تؤيد حقوقهم، إلا أن كل ذلك لم يحرك ساكنًا. إن إدارة المصنعين تتحدي، وقد اجتمع بهم الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء ووزير قطاع الأعمال لكنهم رفضوا الموافقة علي مساواتهم بزملائهم كما رفضوا حتي صرف الأرباح المتراكمة، وهي حقوق ثابتة للعمال لا يمكن التنازل عنها. لقد قرر العمال المحالون علي المعاش المبكر الانتظار طويلاً لحين الحصول علي حقوقهم، إلا أن ذلك لم يحدث، فلماذا لا يتدخل رئيس الوزراء قبل أن تتفاقم الأوضاع ليحل مشكلات هؤلاء العاملين الذين قدموا لهذه الشركات زهرة شبابهم .. ثم جاء الأجانب ليتربحوا المليارات كل عام رافضين تقديم الفتات للعمال؟!.