لم تتوقف أثار اتهامات لجنة «الإسكوا» التابعة للأمم المتحدة -الموجهة لإسرائيل بإتباع سياسية الفصل العنصرى ضد الفلسطينيين «الأبارتايد»- بعد الغضب الذى أبدته الولاياتالمتحدة مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش بسحب التقرير وأن تنأى الأممالمتحدة بنفسها عن هذا الأمر حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة نفى علمه بالتقرير. وقالت نيكى هيلى السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة: إن الأخيرة غاضبة من صدور هذا التقرير مع العلم أن لجنة الإسكوا هى لجنة تابعة للأمم المتحدة!! وخلال مؤتمر صحفى عقد فى مقر «الإسكوا» فى بيروت حذرت ريما خلف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا، من خطورة ممارسة «إسرائيل» لنظام الفصل العنصرى بقولها: «ليس بالأمر البسيط أن تستنتج هيئة من هيئات الأممالمتحدة أن نظامًا ما يمارس الفصل العنصرى». وأعلنت ريما خلف عن هذا التقرير الصادر من المنظمة حول سياسة «الأبارتايد» أو الفصل العنصرى الذى تتبعه إسرائيل ضد الفلسطينيين، تقول ريما: «إن إسرائيل نجحت طوال العقود الماضية فى فرض نظام الأبارتايد عبر وسيلتين، الأولى تفتيت الشعب الفلسطينى سياسيًا وجغرافيًا لإضعاف قدرته على المقاومة وتغيير الواقع، والثانية عبر قمع الفلسطينيين كلهم بقوانين وسياسات وممارسات شتى بهدف فرض سيطرة جماعة عرقية عليهم وإدامة هذه السيطرة». وأكدت أنه لا حل فى حل الدولتين أو فى أى مقاربة إقليمية أو دولية ما لم يتم تفكيك نظام «الأبارتايد» الذى فرضته إسرائيل على الشعب الفلسطينى. واختتمت المؤتمر بقولها: «إن التقرير يدرك أن الحكم بكون إسرائيل دولة فصل عنصرى يصبح أكثر رسمية إن صدر عن محكمة دولية مبينة أن التقرير يوصى بعدة إجراءات منها؛ إعادة إحياء لجنة الأممالمتحدة الخاصة ومركز الأممالمتحدة لمناهضة الفصل العنصرى، اللذين توقف عملهما فى عام 1994 عندما اعتقد العالم أنه تخلص من الفصل العنصرى بسقوط نظام «الأبارتايد» فى جنوب إفريقيا». ويستشهد التقرير بعدة قوانين وممارسات إسرائيلية للتدليل على استنتاجاته، منها سياسة الأراضى؛ حيث يعطى الدستور الإسرائيلى وقانون ممتلكات الدولة لعام 1951 للدولة الإسرائيلية الحق المطلق فى إدارة 93٪ من الأراضى المعترف بها دوليا داخل حدودها وهى قانونا، مُحرَّم استخدامها أو تطويرها أو امتلاكها على غير اليهود. ويعرض التقرير ما يطلق عليه «الهندسة الديمغرافية» من خلال حق العودة، حيث يتاح لليهودى أيًا كان بلده الأصلى حق دخول إسرائيل والحصول على جنسيتها دون ضرورة استبيان صلته بالأرض، فى حين لا يتمتع الفلسطينيون بحق مماثل، حتى وإن كانت بحوزتهم وثائق تثبت فلسطينيتهم، أو وجود منازل لعائلاتهم بالأراضى الفلسطينية التى أقيمت فوقها دولة إسرائيل. ويذكر التقرير أن القانون الإسرائيلى يخول لأزواج المواطنين الإسرائيليين الانتقال لإسرائيل، بينما يستثنى الفلسطينيين من داخل الأراضى المحتلة أو خارجها من هذا الإجراء. وأكد أيضًا تجزئة السكان الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلى المباشر، وسكان مناطق الحكم الذاتى الخاضعة بدورها لسلطات الاحتلال فى الضفة الغربيةوغزة، بالإضافة إلى تطبيق نظم وقوانين منفصلة عليهم، تعد ممارسات فى صميم نظام الأبارتايد. وتطرق التقرير لبعض تفاصيل تقسيم الفلسطينيين جغرافيا لأربع مناطق أو «فضاءات» تدار بمجموعة مختلفة من القوانين، ما وصفها بالاستراتيجية الرئيسة لتفتيت الشعب الفلسطينى، وأدرجها التقرير فى القانون المدنى المطبق على الفلسطينيين مواطنى إسرائيل (عرب 48)، وقانون الإقامة الدائمة الذى يطبق على الفلسطينيين فى مدينة القدس، والقانون العسكرى الذى يطبق على فلسطينيى المناطق المحتلة منذ حرب 1967 فى الضفة الغربية وقطاع غزة – ومنهم ساكنو مخيمات اللاجئين - وأخيرا الفلسطينيين خارج حدود الدولة الممنوعين عن العودة. وتكرس هذه القوانين -فى نظر اللجنة- الفصل العنصرى من خلال تدنى الخدمات ومحدودية مخصصات الميزانية للمجتمعات الفلسطينية فى الحالة الأولى، وتقييد الفلسطينيين من حق تحدى القانون الإسرائيلى لصفتهم كمقيمين دائمين، والتمييز ضدهم فى الخدمات، وتعريضهم للطرد من المنازل وهدمها فى الحالة الثانية. ويتعرض فلسطينيو الحالة الثالثة لما يصفه التقرير بالإدارة «على نحو يطابق تماما تعريف الأبارتايد فى اتفاقية مناهضة الأبارتايد، حيث يخضع ال6.6 مليون فلسطينى للقانون العسكرى، بينما يطبق القانون المدنى على 300.000 مستوطن يهودى، أما فلسطينيو الفضاء الرابع فيعيشون كلاجئين أو مهجرين قسريًا دون حق الرجوع لأرضهم. وأعد هذا التقرير خبيرًا القانون الدولى «ريتشارد فولك» الخبير فى القانون الدولى وحقوق الإنسان والمقرر الخاص الأسبق للأمم المتحدة المعنى بحالة حقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة منذ عام 1967، والخبيرة فى السياسات الإسرائيلية «فيرجنيا تيلى» وهى مؤلفة كتاب بعنوان: «حل الدولة الواحدة» الذى صدر عام 2005. إلا أن ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأممالمتحدة صرح للصحفيين فى نيويورك إن التقرير نشر دون أى تشاور مسبق مع أمانة الأممالمتحدة!! وأضاف أن التقرير بشكله الحالى لا يعكس وجهات نظر الأمين العام «أنطونيو جوتيريش»، مضيفًا أن التقرير نفسه يشير إلى أنه يعكس وجهات نظر مؤلفيه. وانتقدت واشنطن ما ورد فى التقرير عبر السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة نيكى هالى فى بيان، قائلة: «إن أمانة الأممالمتحدة محقة فى النأى بنفسها عن هذا التقرير لكن يجب عليها أن تذهب إلى مدى أبعد وتسحب التقرير برمته». المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية «إيمانويل نحشون» صرح فى تعقيب له على «تويتر» أن التقرير لم يؤيده الأمين العام للأمم المتحدة. يذكر أنها ليست المرة الأولى التى يتم اتهام اسرائيل فيها بإتباع سياسة الأبارتايد أو الفصل العنصرى ففى عام 2006 وخلال المؤتمر الدولى للمجتمع المدنى لدعم الشعب الفلسطينى والذى تم تحت رعاية الأممالمتحدة، صرح رئيس شبكة التنسيق الدولية لفلسطين فيليس بينيس، قائلًا: «مرة أخرى، تم ارتكاب جريمة التفرقة العنصرية من قبل دولة عضو فى الأممالمتحدة، هذه الدولة هى إسرائيل». الرئيس الأمريكى السابق جيمى كارتر مفاوض كامب ديفيد والحاصل على نوبل للسلام ومؤلف كتاب «فلسطين سلام وليس تفرقة عنصرية»، صرح بأن هناك سياسة تفرقة عنصرية موجهة ضد الفلسطينيين، وبأنه فى بعض الحالات فإن هذه التفرقة تكون أقسى من معاملة ضد السود فى جنوب إفريقيا. أيضًا «دانى روبنستن» وهو كاتب عمود فى صحيفة هآرتس ربط إسرائيل أكثر من مرة بالعنصرية المتواجدة فى جنوب إفريقيا خلال مؤتمر الأممالمتحدة فى البرلمان الأوربى فى بروكسل بتاريخ 30 أغسطس 2007، حيث صرح قائلًا: «إسرائيل اليوم دولة عنصرية تتضمن أربع مجموعات فلسطينية، الفلسطينيون المتواجدون فى غزة، وأولئك فى القدسالشرقية، وفى الضفة الغربية، والفلسطينيين الإسرائيليين، حيث إنه لكل منهم حالة خاصة». وتبرز فى الآونة الأخيرة قضية منع رفع الآذان فى مساجد القدس وأراضى فلسطين 48 والمناطق الفلسطينية القريبة من المستوطنات والذى أقره الائتلاف الحكومى الإسرائيلى فى 13 نوفمبر عام 2016 كدلالة واضحة على سياسة التمييز والفصل العنصرى الذى تنتهجه إسرائيل ضد الفلسطينيين. أما لجنة «يونيسكو أو الإسكو» فهى لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، تأسست عام 1973، وقد أسسها المجلس الاقتصادى والاجتماعى للأمم المتحدة التابع للأمم المتحدة بقرار 1818 (LV) كبديل لمكتب الأممالمتحدة الاقتصادى والاجتماعى فى بيروت (يونيسوب)، وقد تبدل الاسم عام 1985. -وتقع فى بيروت بالقرب من السراى الكبير موقع مكاتب البرلمان ورئاسة الوزراء- 18 بلدًا عربيًا، وتدرج دولة فلسطين على أنها عضو كامل فيها وهى واحدة من خمسة لجان إقليمية أسسها المجلس الاقتصادى والاجتماعى للأمم المتحدة بهدف تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الواردة فى ميثاق الأممالمتحدة، من خلال تعزيز التعاون والتكامل فيما بين البلدان فى كل منطقة من مناطق العالم. واللجان الإقليمية هى اللجنة الاقتصادية لأوربا (1947)، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ (1947)، واللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى (1948)، واللجنة الاقتصادية لأفريقيا (1958)، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربى آسيا (1973).