لم يشهد العالم حضارة حافظت على نقاء شخصيتها وهويتها مثل الحضارة المصرية والصينية كأثنتين من أقدم الحضارات التى أثرت فيمن حولها. ومثلما تأثر غزاة مصر بحضارتها تأثر أيضًا غزاة الصين بحضارتهم. ولم تتأثر هاتان الحضارتان بهؤلاء الغزاة على مر العصور فقد كانتا حضارتين متقدمتين جدًا فى كافة المجالات الثقافية والعلمية والأدبية والقدرات فائقة التقنية على الاختراع. ووقفت الحضارة الصينية خاصًة على أعتاب القوة الصناعية الكبرى الأولى، إذ قادت الصين العالم منذ 1700 عام فى الإنتاج والاختراعات الصناعية. وإن كانت الحضارة الأوربية والإسلامية مزيجًا من تفاعلات متناقضة وقد خلفتا عشرات الدول المهجنة عبر العصور، فإن حضارتى مصر والصين ظلتا عبر تاريخهما كدولة واحدة. فبينما سجل التاريخ على المصريين أمة واحدة عبر الزمن، فأيضًا الحضارة الصينية ببنائها سور الصين العظيم كمشروع دفاعى عسكرى ضد هجمات الشمال من قبائل المغول والترك، وقد صُنف من عجائب الدنيا السابعة عام 2007، هذا البناء الذى بدأ بعد توحيد الصين من قبل تشين شى هوانغ عام 221 ق.م، قد جعلها فى عزلة أجبرت الاختلافات على الانصهار فى بوتقة واحدة وتجانست فيما بينها كأمة صينية واحدة جعلت من الصين دولة ذات حضارة قائمة بذاتها، تتسم بعراقة 5000 عام وبديناميكية مذهلة بما تحققه بقوتها الشاملة من قفزات هائلة فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية تستطيع من خلالها فرض نفسها وبقوة على الساحة الدولية وان تصبح قوة إقليمية فاعلة فى النظام العالمى الجديد هذا الصعود الذى توقع معه الخبراء إمكانية وصول الصين إلى قمة النظام العالمى، وأطلق البعض على القرن الحالى القرن الصينى، وتشير التوقعات إلى أن الصين سوف تصل لقيادة النظام الدولى بحلول عام 2025م، بحد أقصى عام 2050، بما لديها من إمكانات ومقومات تجعل منها دولة ذات أهمية جيواستراتيجية ذات طبيعة خاصة، تمتلك موقعا استراتيجيًا يربط شرق آسيا بشرق أوربا، وتتحكم بعدد من طرق الملاحة البحرية والجوية والبرية. الصين هى الأولى عالميًا من حيث الموارد البشرية فعدد سكانها يربو عن 1.300 مليار نسمة والرابعة عالميًا من حيث المساحة بعد روسيا وكندا وأمريكا. الصين ثانى أكبر ميزانية معلنة للدفاع بعد امريكا. الأولى عالميا من حيث معدل سرعة النمو الاقتصادى، وتمثل الآن ثانى أكبر قوة اقتصادية فى العالم بعد امريكا بمؤشر القيمة الاسمية والأولى عالميًا بمؤشر القوى الشرائية. كما تعد الصين فى المرتبة الثالثة فضائيًا وثالث قوى نووية بعد أمريكاوروسيا. والقوة العالمية الثانية فى جذب الاستثمارات بعد امريكا، وفى بعض السنوات سبقتها واحتلت المكان الأول. كما احتلت الصين القوة العالمية الثانية فى التجارة الدولية بعد امريكا، والثانية فى حجم الناتج الإجمالى الذى بلغ 4.4 تريليون دولار عام 2011م.واصبحت القوة العالمية الأولى فى الاحتياطى النقدى الأجنبى الذى بلغ فى مارس 2016 ما قيمته 3 تريليون و(305 مليار دولار). بينما أتت أمريكا فى المرتبة 18 عالميًا بقيمة 118 مليارًا و(609 ملايين دولار). متى ستتخذ مصر قرارها السياسى بانصهار الحضارتين فى بوتقة جيواقتصادية واحدة فى ظل وجود فائض هائل من النقد الصينى تنشد توجيهه عبر استثمارات عابرة للقارات.