فقدت مصر مؤخرًا روائيًا كبيرًا هو الراحل خيري شلبي، فعلي مدي سنوات عمره كان نهرًا متدفقًا من العطاء وترك لنا إرثا إبداعيًا تميز بالجمال في روعة الأسلوب والملكة السردية والقواعد الفنية والتلقائية فوصلت أعماله للقلوب، لقد كان مثقفًا جماهيريًا وفي أحاديثه تشعر بغزارة اطلاعه علي أمهات كتب التراث فيأتي حديثه حديث العارف وكأنه عايش من سبقه وتشعر معه بإن الزمن هو الذي يتحدث وكان رحمه الله حكاء ومؤديًا ساحرًا وفيلسوفًا في طرحه قضاياه، ففي القضايا السياسية والاجتماعية يظهر بشخصيته المصرية الذكية العارفة قضاياها والمعتزة بتاريخها وأصالتها وقدرته الفائقة علي التحليل والتعليق واعطاء الحلول، وفي قضايا التراث وبخاصة الشعبي منه كان محبًا ومتفاخرًا به ومشددًا علي حفظه وتدوينه من الضياع وفي أعماله الإبداعية تشعر بتأثره بالتراث الذي كان يشاغله ويراوده فيظهر في رواياته في الإطار المدي الذي تدور فيه الاحداث تلك التي تتجاذب فيها شخصياتها الدرامية وبمسمياتها فتظهر وكأنها أبطال السير الشعبية، فتظهر شخصياته النمطية من اصحاب المهن والحرف كالخياط، والجزمجي، والطرشجي الحلوجي وفي أعماله الإبداعية وندواته تشعر بموهبته الإبداعية وتمكنه من اللغة العربية ' العامية، والفصحي ' واختياره الجمل فتظهر في شكل فني ولغوي سليم مصحوبة بجمال الأداء وحسن الحوار والمحاورة ودعوته للفضيلة وتمسكه بالموروث الثقافي من عادات وتقاليد وقيم متوارثة وإبداع شعبي فتميزت أعماله التي تشكلت فيها مدرسته الخاصة المتميزة بما يسمي بالواقعية السحرية لتزاوجه بين الواقع المحسوس والميثولوجيا فيحقق بعبقريته التزاوج بين الواقع والممكن والمحتمل وقوعه وتصديقه . من أهم أعماله الروائية : الاوباش وكاله عطية صالح هيصا وبغلة العرش وزهرة الخشخاش وروايته التاريخية الطرشجي الحلوجي السنيورة ثم ' أُنس الحبايب ' التي عكس فيها سيرته الذاتية وأظهر القرية المصرية بالصورة الصادقة التي عايشها وتمناها . ومن مجموعاته القصصية : صاحب السعادة اللص سارق الفرح . ومن أعماله المسرحية صياد اللولي المخربشين . ومن أهم مؤلفاته : أعيان مصر وجوه مصرية . ومن دراساته النقدية كتاب دراسات في المسرح العربي مسرح الأزمة عند نجيب سرور . ومن أعماله التي تناولتها السينما فيلم ' الشطار ' و'سارق الفرح '. ومن أعماله التليفزيونية مسلسلا ' الوتد ' و'الكومي '. وفي لقاءاته التليفزيونية النادرة التي تجلت فيها وطنيته لقاؤه مع الأستاذ إبراهيم حجازي في برنامج ' دائرة الضوء ' أثناء احداث لقاء مصر والجزائر لكرة القدم ' لقاء القاهرة ' قال : لقد حبست انفاسي حتي الثواني الأخيرة وشعرت بأننا لو خرجنا من البطولة فإن مصر لن تقوم لها قائمة وسيرتد بنا الزمن للوراء وسنهبط للأرض السابعة حتي جاء الهدف الثاني في اللحظات الأخيرة فأبقي علي الأمل وأكد له ان شعب مصر قادر في أحلك الظروف علي أن ينتفض ورغم انه لقاء رياضي فإنه قد حمله ومن مخيلته ما تمر به مصر من ظروف وحلم شعبها الطويل بنهار جلي يتحقق فيه الحرية والكرامة والعدل، ولم يمت أديبنا حتي تحقق له ما يريد في ثورة 52 يناير فأوصي الثوار بفصل الدين عن السياسة والتصدي للفتنة الطائفية وحلم بأن تكون مصر دولة مدنية ومن آخر مقالاته في جريدة ' الأسبوع ' تناوله بالعرض الشيق والتحليل الفني لأصوات ومشاهير قراء القرآن الكريم في مصر ومنهم الشيخ مصطفي اسماعيل والشيخ عبدالباسط فتشعر في مقالاته بسمو روحه وفهمه وحبه لكل ماهو قرآني وابرازه الجمال اللحني للأداء عند سور وآيات بعينها ودراسته الأداء القرآني كانت تتجلي في التسجيلات الخارجية التي تجمع الشيخ بجمهور المستمعين لتحقيق الحميمية وانعكاسها علي الأداء .. رحم الله أديبنا الجليل خيري شلبي