صمدت سوريا رغم الحصار والعقوبات، ورغم المؤامرة الكونية التى سلطت عليها وهى المؤامرة التى جاءت معها عصابات الإرهاب من كل مكان فى العالم فى محاولة لاستئصال الدولة. بيد أن المؤامرة فشلت وخرجت سوريا من المعمعة وقد أحرزت انتصارات مبهرة فى المعارك العسكرية التى فرضت عليها. لم تنبطح، ولم تستجد التقارب مع أمريكا. ولكنها خرجت من المعمعة لتفرض دورا مركزيا عسكريا وسياسيا بعد أن أحرزت انتصارات أمام العصابات المسلحة. إنها سوريا التى تجسد نموذج التحدى ولذلك لم تنبطح أمام أمريكا، وأثبتت بذلك أن الحل لن يكون إلا من خلال إحداث تغيير فى المواقف الأمريكية وهو ما تجلى اليوم مع إدارة أمريكية جديدة يقودها» ترامب» الذى أوضح أن ما يعنيه كأولوية هو محاربة الارهاب وليس محاربة النظام السورى أو محاولة زعزعته. إنها سوريا التى استطاعت بصمودها ومواقفها أن تغير المعادلة الأمريكية. ومع سوريا نشهد تطورات جديدة فى معارك حلب، فلقد حقق الجيش السورى تقدما نوعيا فى شرقى حلب. وهو انتصار أدى إلى دك حصون جبهة النصرة الارهابية عندما تسارعت عمليات الجيش السورى والحلفاء الداعمين له ليواصل بثبات تقدما حاسما فى مناطق أخرى لا سيما فى ريف دمشق والغوطة. أما القياس فكان مع الفارق،فعلى حين سجل الجيش السورى مكاسب على الأرض،كانت المعارضة تواجه هزيمة نكراء بعد انهيار خطوطها بأسرع ما يمكن وبعد أن تخلى عنها داعموها ومن بينهم أمريكا فتركت بذلك لتواجه مصيرها فى المنطقة المحاصرة شرقى حلب وسط حالة تخبط وارتباك شديد مع انهيار صفوفها. وهنا بدا للكثيرين أن سوريا تريد إكمال عملية السيطرة كلية على حلب قبل أن يتسلم ترامب مهام الرئاسة فى العشرين من يناير القادم، وهو الذى أوضح فى أعقاب نجاحه فى الانتخابات الرئاسية أنه سيتخلى عن دعم المعارضة ويتعاون مع روسيا للتصدى لتنظيم داعش. وتظل المرحلة الحالية من معركة حلب هى الأكثر ضراوة مع سعى الجيش السورى وحلفائه للسيطرة على مناطق أكثر كثافة سكانية بالمدينة. وها هى الأحياء فى شمال شرق حلب تتهاوى مثل أحجار الدومينو فى يد القوات السورية التى تقدمت بشكل متسارع لتسيطر على قسم كبير من المناطق. حلت الهزيمة بالمعارضة المسلحة رغم التسليح الضخم الذى تلقته على مدى السنوات الخمس الماضية من أمريكا والسعودية وقطر وتركيا. وبالتالى لم تتمكن من السيطرة على المدينة بعد أن حسم الجيش السورى المعركة وتمكن من السيطرة على أجزاء كبيرة من حلب الشرقية. يتعين على المعارضة اليوم، فيما إذا حكمت العقل، أن تتبنى خيارا واحدا ألا وهو القبول بتسوية توفر لها خروجا آمنا حيث أن استمرارها فى القتال لن تحصد من ورائه إلا العلقم لا سيما مع التباينات فى القوة أمام الجيش السورى المدعوم بقوات التحالف مما يؤدى إلى انعدام التوازن معه. ولا شك أن استعادة سوريا لمدينة حلب ستشكل نقطة تحول رئيسية فى الصراع على الأرض، ومن شأنها أن تعزز سيطرة الحكومة السورية على حلب ودمشق وحمص وحماة واللاذقية. كما أن هذا سيشكل ضربة معنوية قاصمة للمعارضة المسلحة وداعميها ليفتح المجال بعد ذلك بتوجيه المسار نحو معارك أخرى بعد حلب فى إدلب والرقة والباب ومدن أخرى. ما يحدث فى حلب اليوم يشكل نقطة فارقة للجيش السورى الذى صمد فى ميدان المعارك على مدى ما يقرب من ست سنوات ولهذا سيكون حصاده ذهبيا ومثمرا. أما المعارضة الملتحفة بالعصابات الارهابية فسيكون حصادها مرا مرارة العلقم....