وصل الشيخ حمد بن خليفة آل ثانٍ إلى سُدة الحكم فى قطر بعد الانقلاب الشهير على والده فى صفقة نُسجت خيوطها فى الحديقة الخلفية للبيت الأبيض.. قواعد عسكرية أمريكية على الأراضى القطرية، مقابل بقاء حمد وأبنائه على العرش. صفقة عبر عنها الأمير حمد بن جاسم وزير خارجية قطر السابق فى مكالمة مسربة له مع معمر القذافى عام 2009 بالدولة الصغيرة التى أرادت حماية أمريكية من الانقلاب المُدبر ضدهم من الرياض والقاهرة بعد حرب الخليج الثانية. لتدور الايام دورتها ويُكشف زيف ادعائه فى مقابلة له على قناة الجزيرة، فالطائرات الأمريكية كانت تخرج من قاعدة العيديد لضرب أفغانستان والعراق متعللًا بكلمة واحدة: «لسنا الوحيدين». وحينما وقع اختيار المفكر الأمريكى المعاصر صامويل هينتجتون فى داهيته صراع الحضارات على تركيا كدولة إسلامية لقيادة العالم الإسلامى فى مشروع الشرق الأوسط الكبير، كانت قطر تلتقط طرف الخيط الآخر من استراتيجية التعامل مع العالم الإسلامى وفق ما أوصى به صُنّاع القرار ومسئولو الاستخبارات الأمريكيون فتحت الدوحة مقراتها كأفرع ومنابر لمراكز الفكر والبحث الغربية منذ العام 2004. مؤسسة راند البحثية التى أوصت عام 2001 بالعراق كهدف تكتيكيى والسعودية هدف استراتيجى، أما مصر فهى الجائزة الكبرى، كذلك مركز سابان لصاحبه حاييم سابان امبراطور الإعلام والتلميذ النجيب لروبيرت موردوخ، وصاحب صفقة شراء الدوحة لقناة الجزيرة من شبكة بى بى سى العربية، وهو من أتى بوضاح خنفر قيادى الإخوان ليضع السياسة التحريرية التحريضية ضد الجمهوريات العربية. وهكذا احتنضت الدوحة جماعات الموت الدينية من الإخوان الإرهابية وأصبحت بمضى الوقت عاصمة وظيفية تغرز خنجر الأجندة الانجلوأمريكية المعادية فى قلب الوطن العربي. مشيخة قطر التى باتت مستعمرة أمريكية بعد حرب الخليج الثانية أرادت أن تكون لاعبا إقليميا فاعلا فى المنطقة، فأخذت تجر عربة الإخوان المسلمين.. حصان أمريكا الرابح بعد أن قامت بتأسيس فرع لأكاديمية التغيير بالدوحة وفق توصيات منتدى جيل المستقبل الذى عقد بالدوحة عام 2006 بحضور الرئيس الأمريكى بيل كلينتون ووزيرة الخارجية كونداليزا رايز التى جاءت للمنتدى محملة بتوصيات منظمة إيباك حول تغيير شكل المنطقة بالإصلاحيين من العالم الإسلامى بالفوضى الخلاقة. تم تحريك الشعوب العربية إلى ميادين عواصم الجمهوريات العربية وقد لعبت خلالها قناة الجزيرة الدور الأعظم فى أساليب الحشد والتوجيه، وبث الشائعات وروح الفوضى الخلاقة. وبعد انتهاء احتفاليات الانتفاضات العربية ظنت قطر أنها ستصبح لاعبا إقليميا مؤثرا فى المعادلة الجيوسياسية بدعمها اللا محدود لتنظيم الإخوان، وظل هذا الدعم حتى بعد سقوط الجماعة فى مصر أعقاب ثورة 30 يونية 2013. فقد لعبت قطر دور الممول الرئيس لجميع التنظيمات الإرهابية، وفتحت الدوحة مقراتها لاستقبال جماعة حماس الإرهابية وقامت بتأسيس مكتب سياسى لحركة طالبان الأفغانية واستضافت كل القيادات الإرهابية التى تم طردها من الأراضى الأمريكية بحجة تمويل الإرهاب. الأمر الذى منحها لعب دور الوسيط وإتمام صفقات تبادل الأسرى بين جيش النُصرة فرع القاعدة فى سوريا والحكومة اللبنانية عام 2015 المثير للسخرية أن الشيخ تميم كان قد كتب مقالا نُشر فى صحيفة «نيويورك تايمز» متزامنًا مع زيارته لواشنطن فبراير 2015. فتحت عنوان «رسالة قطر إلى أوباما» أراد الشيخ تميم أن يغسل يده من تهمة دعم الإرهاب بتقديم النصح إلى إدارة البيت الأبيض بمحاربة الإرهاب والدعوة للتعددية. وتحت عنوان ساخر: «انتبه،الأمير القطرى يعلن تأييده للتعددية والشمول». سخرت منه «الفورين بوليسى» قائلة: إن هذه التصريحات تفتقر إلى المصداقية نظرًا لأنها صدرت عن حاكم ورث عرش بلده عن والده. فقد تمكن النظام الملكى الوراثى فى دولة قطر من تجنب رياح الربيع العربى العاصفة بالصفقة الرئيسة التى يقوم عليها حكم عائلة آل ثان، الرضوخ للسلطة الاستبدادية مقابل الحصول على الثروة الهائلة التى تستخدم لتمويل أنشطة الجماعات الإرهابية. تقرير صحيفة «كريتستيان ساينس مونتور» لفت النظر فيما يتعلق بأن أموالًا تذهب من قطر إلى جماعات متطرفة عنيفة فى المنطقة تحت رعاية وزارة الثقافة القطرية. أما مجلة بوليتيكو فتحت عنوان: «ازدواجية قطر فى الحرب ضد الإرهاب «. استهلت تقريرها بإن دولة قطر هى أحد المصادر الرئيسة للتحريض الدينى فى منطقة الشرق الأوسط، ولكن ماذا عن الجمهوريين فى الكونجرس الأمريكى، وكيف تعاملوا مع هذه الزيارة؟! دوج لامبورن، عضو فى لجنة الخدمات المسلحة بمجلس النواب. بعث برسالة إلى وزير الدفاع آشتون كارتر أثناء هذه الزيارة جاء فحواها مثيرًا للمخاوف من أن علاقة الجيش الأمريكى مع قطر تسمح لهم باللعب على كلا الجانبين. قطر تصبح مركزًا لتمويل الإرهاب، بينما يستخدم الجيش الأمريكى بلادهم قاعدة رئيسة للعمليات. الرسالة جاءت كل فقرة موثقة بتقارير ديفيد كوهين وكيل شئون الإرهاب والاستخبارات المالية فى الخزانة الامريكية عن عامى 2013:2014 التى فضحت الدور القطرى فى دعمها وتمويلها قيادات القاعدة وداعش وإيواء بعضهم على الأراضى القطرية. وفى تقرير لشبكة CNN الإخبارية يقول خوان زاراتى نائب مستشار الأمن القومى لمكافحة الإرهاب: أخذت قطر الآن مكانها فى صدارة الدول التى تدعم القاعدة والجماعات المرتبطة بهم. - مارتن بيرتن مدير مكتب ال إف–بي–اى بالدوحة، أجاب على سؤال المراسلة: لماذا توافق أمريكا على احتضان قطر لأشخاص تعدهم أمريكا إرهابيين قائلًا: إنه من الناحية الاستراتيجية تعد قطر حليفا أساسيا لأمريكا لا يمكن التخلى عنه بالمثل القائل: «أن تبقى أصدقاءك قريبين لكن أعداءك أقرب». - ويختتم التقرير بمقابلة مايكل ماككون رئيس لجنة الأمن الداخلى فى الكونجرس الأمريكى الذى أكد إن قطر مَنْ ترسل الأموال إلى هذه الجماعات الإرهابية، والأمر معلوم فى كل أوساط الأمن القومى الأمريكي. وعن سؤاله حول وجود قاعدة عسكرية أمريكية فى قطر تتمتع بأعلى مخصصات إذ يوجد بها 6000 جندى أمريكى بميزانية 400 مليون دولار، ولهذا السبب لا تمانع أمريكا فى وجود هذا النوع من التمويل لمثل هذه الأنشطة الإرهابية، أجاب ماككون: ثمة علاقة غريبة جدًا هنا، أعتقد أننا نريد إبقاءهم فى الخيمة قدر المستطاع. وربما يتبادر إلى الأذهان كيف تعمل قطر تحت الوصايا الأمريكية فى التوقيت الذى ترصد فيه أجهزتها كل التحركات القطرية التى تمول وتدعم الإرهاب؟ الإجابة بسيطة، فهكذا تدار اللعبة الأمريكية وتتمحور حول كروت الضغط التى يمكن ممارستها على حلفائها يومًا ما، فهل يفعلها الرئيس الجمهورى دونالد ترامب ويستمع إلى دوج لامبورن فى إعادة تقييم وتقدير التحالف العسكرى مع قطر والذى يقدر بمليارات الدولارات.؟. وتظل قطر تتراقص على أحبال المشروع التوسعى العثمانلى فى أنقرة، والفارسى بطهران لضمان الوقوف على مقربة ممّن سيربح الصراع فى الهيمنة على العالم الإسلامى. هكذا تعمل المشايخ الصغيرة حينما تريد أن يكون لها دور وسط الكبار. كاتب جيوسياسى