منذ الانقلاب العسكري الذي وقع بتركيا في شهر يوليو الماضي ومازال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصدر أوامره للسلطات بإجراء المزيد من الاعتقالات التي طالت وحتى الآن أكثر من 300 ألف من رموز ورجال الدولة في شتى المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة العسكرية التي اتهم الكثير من قياداتها ورجالها بالتآمر لكسر هيبتها التاريخية، وبشكل ممنهج المؤسسة القضائية والإعلامية والصحفية والخدماتية ومؤسسة التعليم والصحة ورؤساء المدن والمحافظات ,إضافة إلى قيام السلطات الأمنية والمخابراتية التابعة لأوامره بتسريح أكثر من 250 ألف من الموظفين والعاملين بالدولة، وقد قام أردوغان بمساعدة من حزبه الإخوانى بالكثير من حالات القمع والاعتقالات والتعذيب بحجة اشتراك كل هؤلاء في الانقلاب العسكري الذي لم يحقق أهدافه بعد أن أرجع أسبابه إلى خصمه اللدود الداعية فتح الله كولن الذي يعيش في منفاه بأمريكا وجعله لأسباب شخصية وسياسية كبش الفداء لكل تلك الأحداث ليصبح كولن أمام الأتراك ودول العالم فزاعة أردوغان الأول , وبسبب مرض أردوغان بالسلطة والهستريا التي انتابته بعد الانقلاب والأحداث العصيبة التي مر بها في تلك الليلة الحالكة يرى وفق تصوره بأن كولن هو المسئول عن كل ما يحدث في تركيا وقد جاء هذا العداء بعد قيام كولن بتوجيه الانتقادات لأردوغان يسبب إدارته الخاطئة للعديد من الملفات ومنها اعتداء إسرائيل على السفينة مرمرة وعلاقته السيئة بجيرانه وتحالفه مع التنظيمات الإرهابية وتدخله في شئون الدول, ولهذا وبسبب حقده على نجاح الرجل جعله ذريعة ليقوم من خلالها بالقبض على هذا العدد الكبير من أبناء شعبه بحجة انضمام هؤلاء إلى حزب فتح الله كولن، فبعد عدائه لحزب العمال الكردستاني أصبح كولن الآن عدوه الأول في تركيا، وكل هذا العداء بسبب أن كولن يحظى بشعبية كبيرة في تركيا وخارجها بسبب أفكاره ومشاريعه الخيرية في مجالات كثيرة كالتعليم والصحة والدين وغيرها من المجالات الناجحة التي أدت إلى حقد أردوغان عليه من أجل توسيع صلاحياته الرئاسية على حساب الحكومة والبرلمان وعلى حساب المكاسب التي حققتها الدولة العلمانية منذ نشأتها بتركيا، في حين أن الداعية الإسلامي لا يميل لانتزاع السلطة كما يروج أردوغان ولا يميل إلى مزج الدين بالسياسة ولا لتطبيق الشريعة في تركيا وهي الأساليب التي يعتمد عليها أردوغان وحزبه، ولهذا فقد أصبح الداعية كولن مسئولاً عن أي أحداث تحدث داخل تركيا بعد أن نجح أردوغان في أن يعلق كل أخطائه وفشله على هذا الرجل وإلصاق كل التهم به,كما أنه جعل منه بعد الانقلاب شيكا على بياض ليقوم بكل تلك الممارسات القمعية وغير الإنسانية في حقوق وحريات وكرامة المواطن التركي والإساءة إلى الدستور وإلى نظام الحكم في تركيا ناهيك عن تعاملات أردوغان المشبوهة مع التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا ومع تنظيم الإخوان الإرهابي في مصر بمساعدة دول مشبوهة، وتدخله في الشأن العراقي والسوري وانتهاكه حدود البلدين وتطاوله على الزعماء العرب مما أغضب منه جيرانه ومحيطه الإقليمي، وأغضب منه أمريكا لتهديده إياها مقابل عدم تسليمه فتح الله كولن، وغضب الاتحاد الأوروبي منه أيضا بسبب انتهاكه للحقوق والحريات العامة وحالة القمع والاعتقالات التي طالت ومازالت تطال الكثير من أبناء ورموز الشعب التركي الأمر الذي جعل مؤخرا قيام أكبر الكتل السياسية بالبرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضي بالتصويت على عدم قبول تركيا كعضو بالاتحاد الأوربي للتأثير على المفوضية ردا على ممارساته القمعية التي انتهجها منذ انقلاب يوليو الماضي, و كرد عقابى أيضا على تصريحات أردوغان الفجة التي أشار فيها إلى عدم حاجة تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي وتهديد أوروبا بإلغاء اتفاقية استقبال اللاجئين وأيضا بالانضمام كعضو في منظمة شنغهاي للتعاون كعوض عن أوربا بعد فشل محاولاته المذلة بالانضمام للاتحاد الأوروبي لتبقى تركيا ومستقبلها وعلاقاتها الإقليمية والدولية مرهونة بهذا الرجل المريض الذي أصبح يتصور أن الجميع في تركيا يحركهم رجل واحد هو فتح الله كولن باعتباره المسئول عن كل تلك الأحداث وبالتالي أحقية أردوغان في مواصلة القبض عليهم فرادى وجماعات أو القبض عليهم جميعا وهو نفس ما يفعله نيتنياهو في حق الشعب الفلسطيني .