كانت الساعة الثالثة عصرا حينما إتجهنا إلي منزل الشهيد حسين طه ، في محاولة للتعرف علي شعور أسرة الشهيد في أول عيد يمر عليهم بدونه ، و علي بعد خطوات من باب المنزل بادرنا الشهيد بإبتسامة رقيقة أرتسمت علي ملامح صورة ضخمة له وضعت في مواجه المنزل و كأنه يرحب بنا في منزله الذي عاش فيه عمرة القصير الذي لم يتجاوز العشرون عام ، و بتراحاب و طيبة أم مصرية خرجت أم الشهيد لترحب بنا هي الأخري في أحدي غرف المنزل و التي إمتئلت عن أخرها بصور الشهيد و بعض متعلقاتة الشخصية بالإضافة إلي مصحف كبير موضوع في علبة مرسوم عليها صورته ، و بصوت هادئ حاولت والدة الشهيد التعبير عن شدة ألم فراقة بجملة واحدة "إحنا متقطعين من جوانا" ، لتنطلق بعد ذلك في سرد أبرز ذكرياتها مع أبناها الأكبر و الذي فقدته بين ليلة و ضحاها حيث تقول "هذا أول رمضان يمر علينا بدون وجود حسين بيننا ، فكل شيئ تغير في المنزل و أصبح ليس هو المنزل الذي كان يعيش و يرمح فيه ، ففي مثل هذا الموعد من العام الماضي أتذكرة حيمنا كان يصر علي أن يكون له بعض الطلبات المعينة علي الإفطار و السحور و كان يقف دائما إلي جانبي اثناء إعداد الطعام ليتأكد أنني حضرت له كل ما يريده من طعام ، و كنت دائما أستجيب له و أنفذ طلباتة و لكنني لم أكن أعلم السبب ، و اليوم علمت السبب و هو أنني كنت أشعر بأنه سوف يرحل قريبا و يتركنا" و تعود بذاكرتها إلي أحداث يوم الإثنين 24 يناير فتقول "يوم الأثنين أبلغني بأن هناك بعض النشطاء سوف ينظمون مظاهرات غدا ، و طلب من والده السماح له بالمشاركة في هذه المظاهرات و هذا ما رفضة والدة ، و أثناء مرور المظاهرات من أمام المنزل و مع تعالي هتافات المتظاهرين "إنزل يا مصري .. إنزل يا مصري" إزدادت رغبته في المشاركة و أصابته حالة من الجنون و الرغبة في الإنضمام لهؤلاء المتظاهرين ، و بالفعل شارك في المظاهرة ليعود بعد ساعتين و هو مرهق تمام من شدة ما تعرض له من قنابل مسيلة للدموع خاصة و أنه يعاني من حساسية بالصدر ، و كان قد قام بتصوير بعض المظاهرات و الإعتداء علي المتظاهرين و قام بتحميلها علي جهاز الكمبيوتر الخاص به ، و ماذلنا محتفظين بها حتي الأن" "حضن الوادع كان يوم الخميس 27 يناير" هكذا تقول لنا والدة الشهيد و هي تحاول تذكر ما تبقي من أحداث الساعات الأخيرة لحسين قبل رحلية بقولها "ظهر يوم الخميس وقف بجانبي و انا اعد الغداء و بدون مقدمات اتجه نحوي و قام بإحتضاني ، فقمت بدفعه بعيد عني ، ليبادرني بقوله "بحبك أوي يا ماما" و يعاود إحتضاني مرة أخري ، و لكني قمت بدفعة مرة أخري في محاولة لإستكمال ما تبقي لي من أعمال المنزل دون أن أعلم ان هذا الحضن هو حضن الوداع من أبني العزيز قبل رحيله عني ، و في مساء نفس اليوم خرج للإلتقاء ببعض زملائة و محاولة إقناعهم بالمشاركة في مظاهرات جمعة الغضب ، و لكنهم رفضوا و حاولوا المزاح معه قائلين له إذهب أنت و أكتب التاريخ إن أردت ذلك ، ليرد عليهم بقوله سوف أذهب لأكتب التاريخ ، و في صباح يوم الجمعة إتصل به أحد زملائة و طلب مني أن أوقظة من نومة ، ثم جاء لي و طلب مني أن يخرج ليصلي صلاه الجمعة في مسجد القائد إبراهيم ، و لكنني رفضت و لكن أمام إصراره الشديد نفذت له طلبه ، و علي غير عادته إنطلق مسرعا إلي الشارع بالرغم من أنه يعتاد دائما أن يرتدي ملابسة بتأني و بدقة" و تستمكل حديثها بقولها "و مر وقت طويل دون عودته إلي المنزل ، و بدأ حريق حي المنتزة المجاور لنا ، و كذلك إطلاق النار و القنابل المسيلة للدموع علي المتظاهرين و التي وصلت رئحتها إلي منزلنا ، و مع الأحداث المتعاقبة إزداد قلقنا و ذهب والده إلي مسجد القائد إبراهيم للبحث عنه و لكن دون جدوي ، و شعرت في هذه اللحظة أنني فقدت أبني للأبد بالرغم من أنه لم يكن هناك معلومات مؤكدة عن ذلك ، ففي ذلك اليوم حلمت بأن هناك أشخاص كثيرون يدخلون المنزل ، و كذلك تخيلت بأن وسادات السرير تحولت إلي جسد و وجه حسين ، و لكنني حاولت التغلب علي هذا الشعور" ، و بحنين و شوق أم لأبن فارق أحضانها تقول "وحشتني أوي يا حسين ، فكلما طالت مدة غيابك يزداد شوقي إليك ، و مهما كانت التعويضات و الأحكام فلن تعوضني عنك" و تري والدة الشهيد أن الثورة إنحرفت عن مسارها في ظل تناحر القوي السياسية فيما بينها بين إسلامي و علماني ، و بين إخواني و ليبرالي ، حيث تشير إلي أنها كانت تشعر بأن هناك تغير كبير حدث في الناس عقب نجاح الثورة ، و لكن مع مرور الأيام تغير هذا الشعور ، و غابت صور الشهداء من المليونيات المختلفة و حلت بدلا منها شعارات و لافتات الأحزاب و القوي السياسية ، و فقدت الميادين هيبة الدم الذي سال علي أرضها ، حتي أن بعض أسر الشهداء إنشغلت في البحث عن الربح من وراء دم أبنائها و إن كان "حسين طه" أحد شهداء الإسكندرية فإنه ليس الوحيد بل أنه رقم في قائمة طويلة ضمت الكثير من شهداء هذه الثورة المجيدة ، و "أميرة سمير السيد" أحدي هؤلاء الشهداء الأبرار و التي إستشهدت علي يد وائل الكومي أو كما يحب أن يناديه بعض النشطاء ب"سفاح الإسكندرية" و الذي قام بقتل ما يقرب من 24 شهيد دون رحمة أو شفقة ، و الذي طالب سمير السيد 'والد الشهيدة' بسرعة محاكمتة هو و معاونية مشيرا إلي أنه حتي الأن لم تتخذ خطوات جادة في إجراءات محاكمة هؤلاء القتلة ، و الدليل علي ذلك أن وائل الكومي و الذي قتل 24 شهيد ماذال حر طليق هو و من عاونوه في قتل الشهداء الأبرياء ، مؤكدا علي انه غير مقتنع بأن يظل قاتل الشهداء علي قيد الحياه ينعم و يعيش بحرية لان الله عز و جل قال "من قتل يقتل و لو بعد حين" ، لذا لابد من الحكم عليه و اعوانة بالاعدام حتي يتحقق القصاص العادل لدم الشهداء ، و أوضح أنه مقتنع تماما بحركة تنقلات الداخلية الاخيرة و التي تم من خلالها نقل وائل الكومي الي شركة الكهرباء بدلا من قسم الرمل لان هذا هدفه ابعادة عن الناس لعدم الاحتكاك بهم ، و ليس كما يري البعض بأنه ترقية له و في أول عيد يمر عليه بدون أبنتة يحاول "السيد" أن يفتح ألبوم ذكرياته معها ، فيقول " كل الأشياء الجميلة أختفت من المنزل مع رحيل أميرة و لم يعد للعيد طعم ، فالذكريات الجميلة التي تجمعنا بها في العيد الماضي ماذالت عالقة في ذهني فكل متعلقات أميرة الشخصية ماذالنا محتفظين بها حتي الأن ، ففي مثل هذه الأيام من العام الماضي تقدم لأميرة عريس بالرغم من صغر سنها الأمر الذي أدخل الفرحة علي قلوبنا و علي قلب أميرة عندما شعرنا بأن أبنتنا كبرت ، و في نفس هذه الأيام أيضا تعرضت أميرة لحادث بسبب تعرضها لتيار كهربي أثناء إستخدامها المكنسة الكهربائية و حول مدي نجاح الثورة التي راحت أبنته فداء لها في تحقيق أهدافها ، يقول " إن أبرز ما حققتة الثورة حتي الأن هو رحيل الرئيس المخلوع و أبنائة و حاشيتة عن حكم مصر و تقديمهم للمحاكمة ، و لكن هناك العديد من المطالب التي لم تتحقق بعد ، فالفساد ماذال موجود حتي الأن بسبب رجال الأعمال الذين كانت تربطهم علاقات قوية مع النظام السابق و لكنهم غير ظاهرين علي الساحة الأن ، و كونهم ماذالوا حتي الأن طلقاء يؤدي إلي إستمرار الفساد في مصر" و يؤكد رفضه لمبداء التعويضات و ذلك من خلال قوله " ان جميع التعويضات التي سعت الحكومة الي صرفها لأهالي الشهداء لا تمثل أي شيئ لأهالي هؤلاء الشهداء فإذا كانت الحكومة قد قامت بصرف 30 ألف جنيه لأسرة كل شهيد ، فإن أهالي الشهداء يودون لو أن يقوموا بدفع 100 ألف جنيه للحكومة اذا استطاعت ان تعيد لهم ابنائهم" ، و إتهم الحكومة باستغلال موضوع تعويضات الشهداء لشغل الشارع المصري عن محاكمة الرئيس "المخلوع" ، خاصة و أن موعد الإعلان عن صرف تلك التعويضات له معني و هدف لانه جاء قبل اجراء المحاكمة بيومين و هذا ما يثير الشكوك في نوايا الحكومة الحقيقية من وراء هذه التعويضات "وحشتيني يا أميرة" بهذه الجملة إختتم حديثة ، و لتكون هي الرسالة التي يرغب في توجيهها لها في أول عيد يمر عليه بدونها