أجواء من الحزن خيمت علي منطقة عرب سلام بحي المعصرة حين تلقت أسرة الشهيد الجندي 'طه محمد إبراهيم عبد القادر' نبأ استشهاده لحظة صلاة الجمعة.. خلَّف الحزن غضبًا شديدًا في النفوس..وما بين دموع والد الشهيد ووالدته، وإخوته، والتي انهالت كسيل متدفق، مابين مصدق ومكذب للخبر.. راح أصدقاء وشباب المنطقة والجيران، يصبون جام غضبهم علي البربرية الصهيونية، وعلي سياسات النظام المخلوع الذي قاد مصر وشبابها إلي تلك الهاوية من الذل، بعد أن أطلق بسياساته المتخاذلة العنان للعدو الإسرائيلي، ليحصد برصاصاته الغادرة أرواح شبابنا من الجنود المصريين علي الحدود. الشهيد الجندي 'طه' ابن لأسرة بسيطة، لم يتجاوز الثانية والعشرين عامًا.. كان يقطن مع أسرته في شقة بسيطة، ومتواضعة بمنطقة عرب سلام بالمعصرة.. شاءت الأقدار أن ينجو من موت محقق قبل نحو العامين، حين ذهب مع شقيقه المهندس 'أحمد' مع مجموعة من الأصدقاء إلي العين السخنة.. وكان من مفارقات القدر أن تعرض كلاهما للغرق، فاختار القدر 'أحمد' الشقيق الأكبر الذي كان حاصلاً للتو علي بكالوريوس الهندسة، وكان من المتفوقين، ونجا 'طه' الذي شاءت الأقدار أن يلقي مصرعه علي يد القتلة الصهاينة في عملياتهم البربرية علي الحدود المصرية يوم الخميس الثامن عشر من أغسطس للعام 2011. كانت الصدمة مدوية، حين رحتُ أقدم واجب العزاء للأب المكلوم في نجله الثاني، كان الأب يبكي بحرقة وهو يقول: 'ذهب أعز الأولاد إلي قلبي'.. علي بعد خطوات كان الشقيق الآخر 'محمود' يدخل في حالة من الانهيار الشديد، حتي إن قدميه لم تتحملا الصدمة، فسقط مغشيًا عليه، كانت أصوات الأم والشقيقات الخمس، والجارات تتناهي إلي مسامعنا من داخل المنزل البسيط.. كانت الصورة ترسم ملامح حزن دفين هبط فجأة علي الأسرة، بعد أن اختطف القدر 'طه' المحبوب بين كل أفراد أسرته وجيرانه وأصدقائه صعدت مع والد الشهيد إلي الطابق الثاني، حيث مسكن الأسرة.. مررت بمدخل المنزل، حيث كانت السيدات المتشحات بالسواد يجلسن ودموعهن لا تفارقهن، توجهت إلي الممر الذي يقود إلي السلالم البسيطة، ومنها إلي الشقة المتناهية البساطة، لأسرة تتدبر حالها بالشرف والكبرياء.. قدمت ابنها ضحية وفداءً للوطن.. كان الحزن يتملك الجميع، لكن ثورة الغضب من الممارسات الصهيونية والعربدة الإسرائيلية النكراء، كانت تفوق كل الاحتمالات وكل الأحزان. أصر شباب المنطقة علي أن يزفوا الجندي الشهيد إلي حيث مثواه الأخير بما يليق.. أعدوا اللافتات والشعارات والهتافات، وراحوا ينظمون صفوفهم لاستقبال الجثمان الذي رحتُ أتابع مع اللواء محسن مراد مدير أمن القاهرة والمقدم حازم سعيد رئيس مباحث حلوان إجراءات وصوله، قادمًا بالطائرة من العريش، والتي حطت في مطار ألماظة، قبل نقل جثامين الشهداء الثلاثة الذين قتلوا علي يد جنود الاحتلال الصهيوني إلي أماكن دفنها، في المعصرة حيث الشهيد 'طه'، وإلي طوخ بالقليوبية حيث الشهيد 'أسامة' وإلي سوهاج حيث الشهيد النقيب 'أحمد جلال' جنازة مهيبة، وحشود شعبية كبيرة كانت في استقبال جثمان الشهيد 'طه' لحظة وصوله نحو الرابعة والنصف من عصر يوم الجمعة الماضي.. وقبل وصوله بلحظات كان الأستاذ مصطفي بكري عضو مجلس الشعب السابق يخطب في المصلين داخل مسجد عمر بن الخطاب الذي انطلقت منه الجنازة، داعيًا لمواجهة العربدة الإسرائيلية والرد علي قتل جنودنا، وكان الشيخ المحمدي عبد المقصود عضو مجلس الشعب السابق يحث الجميع علي الوقوف ضد الممارسات الصهيونية المعادية للوطن بعد الصلاة علي الشهيد شهدت منطقة المعصرة واحدة من كبري الجنازات في تاريخها، حيث اندفع الآلاف يشيعون الشهيد 'طه' في موكب جنائزي قطع مسافات طويلة حتي بلوغه منطقة 'مقابر سيجوارت' حيث وُوري جثمان الشهيد في الثري، فيما راح الشباب والمشيعون يهتفون منادين بالثأر من القتلة، ومؤكدين أن دماء 'طه' ورفاقه التي سالت علي أرض سيناء الغالية، لن تذهب هباء.