الطلاق المبكر أصبح ظاهرة تدق ناقوس الخطر فى المجتمع حيث ارتفعت فى الآونة الأخيرة حالات الطلاق المبكر الى معدلات قياسية لم يعد من الممكن السكوت عنها، ووصول هذه المعدلات الى حد الذروة فى المجتمع المصرى الذى عرف قديما بترابطه وقوته، فوفقا لاحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء ارتفعت النسبة من 7٪ الى 40٪، هذه الزيادة فى الظاهرة ترجع الى تغيرات اجتماعية واختلاف فى تركيب المجتمع وطريقة تعامل الازواج مع المشاكل، وأكثر هذه التغيرات هو عدم تحمل المسئولية من الطرفين واعتبار الزواج فسحة او لعبة تنتهى بتصاعد الخلافات . هذه الاحصائيات المفزعة والكارثية تقودنا الى تساؤل هام وهو «ما هى الأسباب التى ساهمت فى زيادة حالات الطلاق المبكر؟». والاجابة من وجهة نظرى كباحثة فى علم الاجتماع ومن واقع ما أراه الآن فى المجتمع أن أهم الاسباب تتمثل فى دور الأسرة والزوج والزوجة والدراما والأفلام وكل منهما له دور خطير وبارز ومحورى فى زيادة حالات الطلاق المبكر. ان الاهل والاسرة لهم دور كبير فى ما وصل إليه الحال الآن، فالأم لم تعد تجلس بجانب ابنتها لتعلمها كيف تتعامل مع حياتها الجديدة بل أصبح الأهل فى معظم الحالات سببا رئيسيا فى إفساد الحياة الزوجية لأبنائهم، فلم تعد التربية كما تعودنا فانهارت القيم الاجتماعية التى تربينا عليها وأدى ذلك الى خروج أجيال لا تعرف قيمة البيت والأسرة فهناك ما يسمى بالنضج المبتور وعقم التنشئة وتتحمل مسئوليته الأم التى يجب ان تقترب من ابنتها قبل الزواج لتوضيح الحقوق والواجبات والمصاعب التى قد تواجهها مع الزوج فى بداية حياتها، وكذلك الأب الذى يجب أن يحتك بابنه ويزرع بداخله صفات الرجولة الحقيقية والقدرة على تحمل المسئولية والتعامل بحكمة مع المشكلات. إن غياب دور الأسرة فى التوجيه الايجابى والمتابعة خصوصا فى الأشهر الأولى يؤدى إلى الطلاق المبكر، فبعد أن كان نموذج الأسرة السائد هو الأسرة الممتدة التى يأتى التوجيه فيها من مصادر عدة للزوجين الجديدين أصبح الواقع الذى يفرض نفسه هو ظهور الأسرة النواة المكونة من الزوجين حديثى العهد بمشاكل الحياة الزوجية مما يجعل حكمهما على الأحداث وعلاجهما للمشاكل وحسمهما للخلافات سريعة بحيث أصبح أفضل وأسرع وأسهل حل قول الزوجة للزوج «طلقنى» أو قول الزوج للزوجة «أنت طالق» دون مراعاة للعواقب التى تحدث فيما بعد. بجانب دور الأسرة الذى يعد هو السبب الأول وراء الطلاق المبكر إلا أن هناك أسبابا اخرى ترتبط بالزوج والزوجة، فبالنسبة للزوج يكون العامل الأول بنسبة 24٪ يتمثل فى إهماله للزوجة ثم بعد ذلك تأتى عوامل أخرى متمثلة فى عدم تحمله المسئولية والتقليل من شأن الزوجة والسخرية من ارائها، أما بالنسبة للزوجة ويكون العامل الأول بنسبه 42.3٪ يتمثل فى عصبيتها وعدم تحمل الزوج ثم بعد ذلك يأتى عدم طاعة الزوجة لأوامر الزوج والاعتراض على توجيهاته باستمرار وعدم تحمل المسئولية ومن ثم ضعف مشاركتها فى تحمل اعباء الأسرة. لا ننسى بجانب كل الأسباب السابقة دور الأفلام والدراما وخاصة الجديد منها فى رسم صور الرومانسية الوهمية فى عقول الشباب والفتيات، فاعتقدوا أن الحب هو السعادة التى تنتهى بزواج هادئ خال من الخلافات الزوجية لذلك مع أول مشكلة حقيقية تقابلهم يقرروا الانفصال هذا من جهة ومن جهة اخرى المشاهد التى تشجع طلب الطلاق. إن الحد من هذه الظاهرة يحتاج إلى تكاتف جميع الجهات والمؤسسات الإعلامية لبث البرامج الهادفة والواقعية التي تمس نبض الجمهور ومشاكل الناس، ثم دور الإعلام في ايقاف الأفلام والمسلسلات التي تشجع وتسهل على مشاهد طلب الطلاق، وللمؤسسات الدينية دور من خلال المساجد والخطباء، حيث ينبغي أن يكون الخطاب الديني مرتبطاً بمشاكل الأسرة بكل واقعية، وأيضاً توعية الناس بأهمية الميثاق الغليظ وهو الزواج وبناء الأسرة، وتخصيص محاضرات ودروس وبرامج تعلم الناس حقوق الزوج والزوجة، وعدم تدخل الأهل في حياة الزوجين إلا بالقدر المطلوب للإصلاح. الطلاق المبكر مسئولية مجتمع بكافة مؤسساته لذلك لابد ان تتكاتف جميعها لمحاربة ومكافحة هذه الظاهرة الخطيرة. الباحثة فى علم الاجتماع