أعلنت أثيوبيا عن بدء تشييد سد النهضة في 31 مارس 2011 أي بعد نكسة يناير المجيدة (عليه السلام) بأسابيع قليلة وتم الاعلان عن وضع حجر الأساس في الثاني من إبريل 2011، وتم الانتهاء فعليًا من تغيير مجرى النهر الأزرق في 28 مايو 2013، وحينما تولى السيد الرئيس حكم البلاد يونيو 2014 كانت أثيوبيا قد انتهت فعليًا من تشييد 45% من أعمال البناء. إذًا كيف تعاطي السيد الرئيس مع هذا الملف؟ أولا: بعيدًا عن العنترية والشعارات التى تدغدغ المشاعر وتلهب الحماس وفي سياق التعامل مع الأمر الواقع ، ذهب إلى أديس بابا مخاطبًا الشعب الأثيوبي من داخل البرلمان. هنا كان السيسي يستهدف تغير الصورة الذهنية التى ألصقتها الحكومة الأثيوبية في عقول شعبها مفادها أن مصر بشعبها كارهون لكم، مضمرون لكم العداء، لا يريدون لكم التنمية والرخاء، وخاصة أن التمويل الأساسي للسد يأتي من قوت الشعب الأثيوبي نفسه. وقد نجحت الحكومة الأثيوبية إلى حد بعيد في خلق حالة من العداء للمصريين، وأتت كلمة السيسي داخل قبة البرلمان الأثيوبي لترسم صورة ذهنية طيبة تجاه مصر والمصريين في عقول الأثيوبيين. ثانيًا: نجح الرئيس في انتزاع إقرار ضمني أثيوبي بحصة مصر من مياه النيل بالتوقيع على الاتفاقية الثلاثية والتى أقرت فيها أثيوبيا بالتوقيع على عدم المساس بحصة مصر من النهر وتعهدت بعدم تأثير تشغيل السد على الحصة التاريخية لمصر والتى لا تريد أثيوبيا الاعتراف بها بحجة أن الاتفاقية قد تم توقيعها في زمن المستعمر الإنجليزي، وهذا يعد إنجازًا يمكن الارتكاز عليه في أى تحرك دولي مستقبلي أيًا كان شكل هذا التحرك. ثالثًا: تمحورت كافة المفاوضات للجنة الثلاثية حول سلامة بناء السد من الناحية الهندسية من خلال تشكيل لجنة دولية تتفق عليها الأطراف المعنية الثلاثة (مصر- أثيوبيا- السودان) وهو ما لم يحدث حتى اليوم نتيجة العراقيل التى يضعها الجانب الأثيوبي للحيلولة دون ذلك. لكن الأهم فيما سعي له الجانب المصري ولا يزال، التفاوض حول فترة ملء الخزان خلف السد وهنا تكمن المشكلة وربما نصفها بالكارثية.. لماذا ؟ الدراسات تتحدث عن الآتي: - إذا قررت أثيوبيا فترة ملء الخزان ب 10 سنوات فهذا يعني نقصان حصة مصر من المياه (55.5 مليار متر مكعب) بمقدار 11 مليارًا، مما يؤدي إلى نقص إنتاج الطاقة الكهرومائية المتولدة من مياه السد بمقدار 25% ، وبالتالى ينخفض إجمالى إنتاج الكهرباء في مصر بنسبة 3% . - إذا قررت أثيوبيا الملء بفترات أقل وهنا تكمن الكارثة، ففترة ملء الخزان خلال 6 سنوات، تقل حصة مصر بحوالى 14 مليارًا، وإذا قلصت الفترة إلى 4 سنوات ستحجب عن مصر ما قيمته 18 مليارًا وإذا قُلصت أكثر إلى عامين سيحجب عن مصر 35 مليار متر مكعب . أي أن طول فترة مل الخزان سيعود بتأثير سلبي أقل على مصر وشعبها، وكلما قصرت الفترة تزداد الكارثة على مصر، هذا بخلاف ان السد سيحجز الفيضانات عند أثيوبيا وهو ما من شأنه انخفاض منسوب المياه في بحيرة ناصر بنسبة 3 متر. إذًا نتحدث عن فقدان مصر للأهمية الاستراتيجية للسد العالى وربما يأتي يوم لا يمثل سد ناصر أي قيمة استراتيجية له . فالمخزون الاستراتيجي لمياه السد سيتم السحب منه على المكشوف طوال فترة الملء، كما سيفقد ميزته المستخدمة في إنتاج الطاقة الكهرومائية. السؤال المطروح الآن: كيف سيتعامل السيسي مع هذه الكارثة؟ السيد الرئيس تحرك فعليًا بأسلوب علمي مدروس وباستراتيجية قصيرة ومتوسطة المدي تم عرضها على الشعب في صورة مشاريع قومية. - للتغلب على نسبة ال 3% فقد فى إجمالى إنتاج الطاقة الكهربائية تم إقامة العديد من المشاريع القومية لإنتاج الطاقة الكهربائية وأهمها محطة كهرباء سيمنز ببني سويف وتعد أكبر محطة في العالم لإنتاج الكهرباء، مع التوسع في مشاريع انتاج الكهرباء بالرياح والطاقة الشمسية. - الإعلان عن سرعة استصلاح مليون ونصف المليون فدان في الفرافرة باستخدام مياه الآبار الجوفية عوضًا عن النقص المتوقع في الرقعة الزراعية في الدلتا والتى ستتأثرسلبًا أثناء فترة ملء الخزان. - بدء التنفيذ السريع لإنشاء خمس مدن صناعية جديدة تحقق إعادة توزيع ديموغرافي جديد لسكان الدلتا إلى الصحراء في محاولة لتغيير الجينات الزراعية المتأصلة في الموروث الثقافي للمصريين منذ الفراعنة والذي جعلهم يتقوقعون حول الدلتا للزراعة. - المشاريع القومية الخاصة بالثروة السمكية بمحافظة كفر الشيخ سوف تواجهه النقص المتوقع في التدفقات السمكية في فترة ملء الخزان ومع نقص منسوب مياه بحيرة ناصر بقيمة 3 أمتار. إذًا فالسيسي ومن خلفه القيادة السياسية بدأت منذ اليوم الأول لتولى مسئولية البلاد باستراتيجية مواجهة أى ضرر يترتب على فترة ملء الخزان خلف السد الأثيوبي على مصر وشعبها ، وبالتأكيد يتم هذا بالتوازي مع الحلول السياسية والدبلوماسية مع الجانب الأثيوبي. وبغض النظر عما بجراب الحاوي المصري من خطوات مدروسة بعناية في إدارة الأزمة والتي تحاول الآلة الإعلامية العميلة بنخبتها السياسية الفاسدة الضغط على السيد الرئيس للإعلان عنها مثلما فعلوها مع مبارك عام 2010، لكن يقينًا لا يزال السيد الرئيس في حاجة إلى آلة إعلامية وطنية تشرح وتوضح للشعب الأهمية الاستراتيجية لمشاريع قومية يشاهدها المصريون على شاشات التلفاز للحظات على شكل سكريبت لا تكرس صورة ذهنية فعالة داخل العقول التي تنساها بعد دقائق من مغادرة السيد الرئيس للمكان والزمان . عفوا سيدي الرئيس الشفافية هي الوسيلة الوحيدة لطمأنة الشعب . كاتب جيوسياسي