تابعت باهتمام بالغ مناقشات «قانون الخدمة المدنية» و«الضريبة على القيمة المضافة».. وحريص على متابعة «مفاوضات قرض صندوق النقد الدولى».. وحقيقة الأمر أجدنى غير راضٍ تمامًا عن تعامل الحكومة مع محدودى الدخل والفقراء فى هذا الوطن. لقد أفرطت الحكومة فى تدليل المواطنين والطبطبة عليهم.. وراح السادة الوزراء يتحدثون فى «الفاضية والمليانة» وبعبارات «تقطَّع القلب» عن معاناة محدودى الدخل، بالشكل الذى أفسد أخلاقهم، وجعلهم «لا يعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب»!. الحكومة بجلالة قدرها، بوزرائها وهيئاتها، و«بابا غنوجها وسلطاتها»، ليس لها شاغل غير محدودى الدخل.. اجتماعات ولقاءات ومؤتمرات وقرارات وآليات وخطوات وتصريحات.. فهذا المسئول يؤكد، وهذا ينفى، وآخر يحذر، ومسئول رابع يفكر.. كل هذا والشعب النمرود «مش عاجبه»!. أسعار السلع الأساسية رخيصة للغاية، ومصروفات المدارس والعلاج وغيرها تكاد لا تُذكر، وفواتير الكهرباء والغاز والمياه بسيطة جدًا جدًا، أو كما قال وزير الكهرباء: «إن الزيادة فى الفواتير تعادل ثمن كوباية شاى على القهوة»!. ورغم ذلك تجد الناس لا تكف عن الشكوى من ارتفاع الأسعار.. ليس هذا فقط بل تجرأوا للأسف على «أسيادهم الفاسدين»، ولم تعد لهم سيرة غير قصورهم وسياراتهم الفارهة، وأفراح أولادهم، وملياراتهم المهربة إلى الخارج، وتهربهم من الضرائب، وغيرها من الأمور التى تكشف عن حقد دفين، وغيرة قاتلة. لقد ارتكبت الحكومة خطأ كبيرًا عندما وافق السادة الوزراء والمسئولون ب«رهافة حسهم وتواضعهم»، أن يعيشوا معنا فى وطن واحد، رغم فقرنا و«أشكالنا المشلفطة» و«هدومنا المبهدلة»، نشاركهم الهواء الذى يستنشقونه، بل سمحوا لعششنا وعشوائياتنا أن تشوه قصورهم.. أخطأت الحكومة عندما وافقت أن تحكم أمثالنا من الفقراء، ولم تفكر فى استيراد شعب جديد من أوروبا والدول المتقدمة. حقيقة.. يجب أن يتخلى السادة الوزراء عن تواضعهم وطيبة قلبهم، وأن يتخذوا من خالد حنفى وزير التموين قدوة، عندما علَّق على وقائع فساد القمح: «هو حد راح الفرن وملقاش عيش؟».. ولسان حاله يقول: «إيه يعنى كام مليار اتسرقوا.. هو أكل وبحلقة.. اللى مش عاجبه يخبط دماغه فى الحيط»!. لقد مرت مصر بثورتين ويجب أن تكون هناك سياسات مختلفة لتربية الناس من جديد ووضعهم فى حجمهم الطبيعى، خاصة أن الشعب بصراحة كده عياره فلت، ويتدخل فيما لا يعنيه، مرة يشكو من ارتفاع الأسعار، ومرة يطالب بعلاوة، وأخيرًا أصاب الفقراء ومحدودى الدخل الجنون وراحوا يسألون عن شروط قرض صندوق النقد الدولى.. بل راح أصحاب القلوب السوداء يتحدثون عن الخصخصة وبيع القطاع العام وما جرى فى بداية التسعينيات مع حصول مصر على قرض الصندوق.. تخيلوا.. تركوا أشغالهم وراحوا يستعيدون ذكريات مرت عليها عشرات السنين. الشدة مطلوبة يا باشمهندس شريف، قبل أن تجد نفسك شريدًا فى إحدى الدول الأوروبية.. فى الوقت الذى ينعم فيه الفقراء بالحياة فى مصر. الخطبة المكتوبة أزعجنى بشدة رفض هيئة كبار العلماء بالأزهر قرار الأوقاف بتعميم الخطبة المكتوبة على الدعاة، ويبدو أن كبار العلماء لم يفطنوا إلى فوائد القرار، وأهمها توفير الوقت والجهد، فبدلا من أن تقوم الأوقاف بتدريب وإعداد الأئمة لمواجهة المتطرفين، سيكون من السهل توزيع الخطبة على أمناء الشرطة مثلا لإلقائها على المصلين.. وبهذا يكون وزير الأوقاف ضرب عصفورين بقرار واحد: مواجهة التطرف، والحفاظ على الانضباط داخل المساجد.