شهدت مصر عام 1941م مبادرة مهمة للحوار الإسلامي- المسيحي، وقام مجموعة من الشباب المصريين (مسيحيين ومسلمين) بالاجتماع سوياً للتفكير في مسئوليتهم المشتركة، والتحاور حول سبل الإخاء والتعاون والمحبة، وقد حددوا أهدافهم كالآتي: إنماء روح التعاون والأخوة، بواسطة الدين والعلم والفلسفة. المساهمة في حل المشكلات الاجتماعية، من وجهة نظر الأخلاق والدين. وقد اختاروا لأنفسهم اسم "إخوان الصفا". وفي عام 1953م طلبت وزارة الداخلية إيقاف الاجتماعات الدورية للجمعية، فأبقت الجمعية على وجبة الإفطار في شهر رمضان المبارك، عند الأب جورج شحاتة قنواتي في دير الآباء الدومينيكان، الذين أسسوه منذ عام 1946م. وفي عام 1975م دعت الآنسة ماري كحيل للتقارب بين المسلمين والمسيحيين؛ ولاجتماع في منزلها ضم 15 شخصاً، بين مسلم ومسيحي، وكان أغلبهم من الإخوان المسلمين.. وكانوا-كما يقول الدكتور كريستيان فان نسبن، في كتابه"مسيحيون ومسلمون أخوة أمام الله"- يدعون للتقارب على أساس إيمان كل فرد منا بالله، وليس للتقريب بين الأديان. والجماعة كان من أبرز أعضائها الشيخ أحمد حسن الباقوري -وزير الأوقاف المصري الأسبق، والدكتور عبده محمود سلام -وزير الصحة الأسبق. وكان لها دعاء مشترك بين الأديان، قام الشيخ الباقوري بتعديله، وأصبح يسمى ميثاق الإخاء الديني، وكانوا يختمون به اجتماعهم، في حب وسماحة وإخاء، يقول نص هذا الميثاق: اللهمَّ، إليك نتوجه، وعليك نتوكل، وبك نستعين وإياك نسأل أن ترزقنا قوة الإيمان بك وحسن الاهتداء بهدي أنبيائك ورسلك، ونسألك -يا الله- أنْ تجعل كلاً منا وفياً لعقيدته، أميناً على دينه، في غير تزمت نشقى به في أنفسنا، ولا تعصبٍ يشقى به مواطنونا، ونضرع إليك -يا ربنا- أن تبارك إخاءنا الديني، وأن تجعل الصدق رائدنا إليه، والعدل غايتنا منه، والسلام ذخيرتنا فيه، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.. آمين. (قسيس) في بيت أزهري! ويتحدث القس كريستيان فان نسبن عن: كيف تم إرساله إلى مصر عام 1962م؛ للتخصص في الفلسفة الإسلامية بجامعة عين شمس؛ حتى نال الدكتوراه عن" الإيمان في تفسير المنار" للإمام محمد عبده وتلميذه رشيد رضا. وفي الجامعة عقد القس كريستيان صداقة قوية مع زميله محمود رجب المعيد بكلية الآداب، وكان أبوه شيخاً أزهرياً، وقد اعتبره بمثابة ابنه الثاني، وتبنّته العائلة، وأصبح عضواً كامل الأهلية بها .. وعندما رحل عن مصر إلى فرنسا لدراسة العلوم اللاهوتية طلب الشيخ الأزهري من ابنته، الطالبة بكلية الفنون الجميلة رسم صورة لمريم العذراء مع ابنها؛ كيْ يقدمها له على سبيل الذكرى! واستمرت علاقة القس بالشيخ وأسرته المسلمة، وتوطدت، حيث عرف كلا الطرفين الله على طريقته، وفق الحب والمودة والتسامح الرحب. ومنذ نهاية الثمانينيات من القرن العشرين بدأ الدكتور كريستيان التعاون مع المعهد الدومينيكاني للدراسات الشرقية في القاهرة؛ لدراسة المشترك الإنساني للميراث الأدبي والعلمي والفلسفي العربي- الإسلامي. وقام على رأس هذا العمل الأب جورج قنواتي، الذي أخلص لدراسة الفلسفة الإسلامية، وهو نموذج فريد في العلاقة المتينة؛ لخدمة الحوار المسيحي الإسلامي. جمعية التأليف والتقريب وكانت قد تألفت هذه الجمعية في بيروت، بعد عودة الأستاذ الإمام/ محمد عبده- إليها من باريس، وهو مؤسسها، وصاحب الرأي الأول في موضوعاتها ونظامها. وكان شعارها التقريب بين الأديان السماوية الثلاثة، وإزالة الشقاق من بين أهلها، وتعريف الفرنسيين بحقيقة الإسلام، والتقارب بين الأديان، والتعايش فيما بينها . وقد ضمت من بين أعضائها علماء كباراً، وكان من أكبر أعضائها في لندن القس إسحاق طيلر. وكتب هذا القس بعد زيارته للقاهرة سنة 1888م: "أمة محمد متقية جداً، وبعض أدعيتهم، وصور مناجاتهم حسنة للغاية، حتى لا يمكن لأحد أن يجد فيها كلمة واحدة يعترض عليها". ويضرب القس طيلر- المثل بسورة الفاتحة، ودعاء القنوت، ودعاء مأثور عن داود عليه السلام، يدعو به المسلمون؛ للوحدة بين الأديان، والتماس الحب والمودة والإخاء بين الجميع. ويقول الإمام محمد عبده، في مقدمة تفسيره : كنت أقرأ التفسير، وقد حضر بعض طلبة الأزهر الشريف، وبعض طلبة المدارس الأميرية، وكنت أذكر شيئاً من الفوائد تحتاج إليها حالة العصر، فما اهتم لها أحد فيما أعلم، مع أنها كان من حقها أنت تُكتب. وما علمتُ أحداً كتب منها شيئاً خلا تلميذين قبطيين، من مدرسة الحقوق، وكانا يراجعانني في بعض ما يكتبان. أما المسلمون، فلا". كل هذا؛ وأكثر من صور التحابِّ، والتراحم والتعايش الجميل بين الأقباط والمسلمين على ثرى مصر الطاهر؛ مبثوث؛ ومُوَثَّق بكتابي (الوحدة الوطنية في مصر الملحمة والديوان) الصادر عن مكتبة الآداب بالقاهرة حديثاً.