لا أعرف من أى عجينة من البشر تشكلت هذه الجماعات التى تدعى الفهم والثقافة، والعلم ببواطن الامور، حتى تفتى فيما تعلم ومالا تعلم حول أمور فنية يعلمها فقط المختصون، فاجعة سقوط الطائرة فى اعماق البحار لم تهز لهم شعرة، لكنهم اتخذوها فرصة سانحة للضرب فى ثوابت واساسيات بلا اى سند من حق. صبيحة الخميس الماضي لم يكن كتلك الصباحات المشرقة التى تبسط نورها على كل شبر من أرض الوطن، ولكنها كانت صباحًا حالك السواد مفعما بالحزن، استقبلناه بقلوب دامية على ابناء لنا التهمتهم مياه البحار العميقة وابتلعتهم بلا هوادة، وجع ما بعده وجع، وكأن قلوبنا اجتازت الملمات التى تهوى فوق رؤوسنا يوما تلو الاخر، وتحصد فلذات أكباد من خيرة شباب الوطن. الوجع هذه المرة فاق كل الاوجاع، القصص الانسانية، التى تداعت هنا وهناك لضحايا الطائرة، حفرت فى النفس جرحًا غائرًا، وخلفت مرارة وجرحًا لا يندمل، فى نفوس معظم المصريين، هذا الشعور العام بالمأتم الجماعي، لم ينح خارجه سوى أصوات نشاز، تستبيح الحرمات وتشمت فى الموت، ولمَ لا ونفوسهم المريضة خيلت لهم هذا، واتخذوه وسيله للانتقام وليس تعبيرا عن الاختلاف. مصر للطيران شركة وطنية لا تقل فى امكاناتها عن كبريات شركات الطيران على مستوى العالم، ويتمتع طاقم الطيارين بكفاءة عالية على جميع الرحلات، ويستطيع من جرب السفر على متن طائراتها، أن يتعرف بسهولة على امكانات طياريها الذين يعدون الافضل على الاطلاق فى لحظات الاقلاع والهبوط، وأعتقد أنه المؤشر الابرز لمهارة اى طيار، وهم فى ذلك يتميزون على طياري شركات طيران اخرى اقليمية واجنبية تتمتع بمستوى عال من الرفاهية على متن طائراتها. نعم هناك بعض الاخطاء التى تحدث من طاقم الضيافة الذى يتعامل أحيانا مع الراكب باستهتار، الامر الذى ارجعه كبير المضيفين عندما سألته عن هذه الطريقة فى التعامل التى لا تليق، الى وجود عدد من طاقم الضيافة الذين يعملون بعقود مؤقتة، وبالتالي لا يدركون أهمية دورهم، نقول هذا من باب الاعتراف بالحقائق، لكن بالطبع ذلك لا ينفى وجود أفراد مؤهلين وعلى درجة عالية من الرقى فى التعامل. لكن أن يتخذ هؤلاء الشامتون كل معلومة بسيطة عن الحادث وينسجون حولها من خيالاتهم المرضية ما يفرغون به طاقة الكره والحقد على المجتمع، فذلك هو الإثم بعينه، تحدثوا عن سوء حالة الطائرة وانها من طراز قديم وتعرضت لعطل من قبل، ووجهوا لأطقم الصيانة اتهامات بالجملة بالتقصير والاهمال، يريدون أن تثبت التحقيقات حدوث عطل فى الطائرة قبل السقوط ليبرهنوا على صدق ترهاتهم، وكأن الوطن يحتمل مزيدا من الخسائر، ألا تكفينا أصابع الاتهام التى تحاول أطراف عده أن تشير لنا بها، حتى نتحمل وحدنا الاخطاء ونتكبد الخسائر بالاضافة الى فقد ابنائنا. ايها الشامتون.. تريثوا قليلا.. فأنتم أبناء هذا الوطن.. وليسوا أعداءها.. ولايجب أن يكون الموت ساحة للتبارى على خصومة سياسية.. جلال الموت وفاجعة الفقد أكبر من أى خلاف.. افيقوا يرحمكم الله.