الفضائيات العربية لا تنتظر استقرار الأوضاع السياسية في المنطقة، وتتعامل مع فرضية الزمن وليست فرضية الواقع، حيث بدأت الاتفاقات علي مسلسلات رمضان الجاهزة للعرض، وبالرغم من تخوفات المنتجين التي جعلت البعض يحجم عن مغامرة الإنتاج هذا العام، وبرغم تأكيدات النقاد علي تغير مزاج الجمهور العربي الذي أصبح متطلعا للبرامج الإخبارية والسياسية المتوغلة في همومه، فإن شاشة رمضان لن تتجاهل الدراما ولكن بالتأكيد هناك تغيرات. المنافسة هذا العام ربما تكون بطيئة خصوصا أن الأحداث السياسية في الشارع العربي أثرت علي الإنتاج الدرامي، فالأعمال المصرية وكذا السورية اللتان تنافستا بعنف سابقا مصيرهما تعلق بثورتيهما، لتنفتح الأبواب أمام الدراما الخليجية التي حجزت مكانها في الصفوف الأولي للمنافسة في ظل مايشبه الغياب المصري والسوري، حيث أعلنت الفضائيات عن اختيارها مسلسلات خليجية بينما المصير المصري والسوري في عالم الدراما مازال معلقا، حيث طالعتنا أخبار عن اختيار مسلسل "فرصة ثانية" للكاتبة وداد الكواري والمخرج علي العلي علي قناة إم بي سي التي تعرض أيضا 'بو كريم برقبته سبع حريم'، للكاتبة هبة مشاري حمادة، والمخرج منير الزعبي، كما كشفت قناة 'أبو ظبي الأولي' عن ستة مسلسلات خليجيّة دفعة واحدة. وتعلن المحطة أن رمضان علي شاشتها سيكون ذا نكهة خليجيّة، وتراهن قناة 'دبي' من جهتها علي مسلسل 'بنات الثانوية' للكاتب محمد النشمي وإخراج سائد الهواري، وبطولة شهد، وأبرار سبت، وفرح، ودبي هي القناة الخليجية الوحيدة التي فازت بمسلسل مصري هو 'سمارة' مع غادة عبد الرازق. وكانت قد اشترته قبل اندلاع ثورة يناير. وهنا لابدّ من طرح علامات استفهام حول إمكان نجاح هذا العمل بعد الهجوم الشرس الذي تعرّضت له غادة عبد الرازق بسبب موقفها الداعم لنظام حسني مبارك. ورغم أن الجانب السوري يرفض الاعتراف بالغياب مؤكدا أنه بالكم كما بالكيف ستحضر الدراما السورية علي الشاشة الرمضانية، كما يؤكد الناقد السوري ماهر منصور الذي يقول: 'الدراما السورية لموسم 2011 بخير، والمشاريع الدرامية المقررة هذا العام والتي طالها التأجيل، لم تنعكس انخفاضا كبيرا في قائمة الإنتاج الدرامي السوري. فظل عدد المسلسلات هذا العام ضمن المعدل العام للإنتاج في السنوات الأخيرة. هذا من ناحية الكم. أما من ناحية الكيف، التي تحددها الآن نوعية الأعمال وليس مستوياتها الفنية المرتبطة حكما بالعرض، فإن تنوعا دراميا علي صعيدي النوع والموضوعات حققته الدراما السورية المقررة لرمضان المقبل'. وربما يحاول السوريون التمسك بآخر قشة تنقذهم من الغرق في بحر الغياب بمسلسلات 'شيفون'، و'تعب المشوار'، و'السراب'، وسواها من مسلسلات طالها تطويع فكري بما يتناسب ومزاج 'الزمن العربي الجديد'، ورغم أن المسلسلات السورية جاهزة للعرض لكن هناك عزوفا عن شرائها حسب تأكيد النقاد السوريين. وفي هذا السياق، بدا واضحا نقص الإنتاج المصري هذا العام، حيث انخفض معدل إنتاج المسلسلات بحيث لم يتجاوز عددها أصابع اليد، ربما يطالعنا مسلسل عادل إمام 'فرقة ناجي عطالله' ليعيد إلي الأذهان الصراع العربي الإسرائيلي في صورة من صوره، وفي الوقت نفسه يؤكد أن الدراما المصرية ستهتم بالسياسة أكثر هذا العام، فكما يبدو أن الربيع العربي يعيد نسج خيوط الدراما بشكل أو بآخر، فمسلسل 'دوران شبرا' للمخرج خالد الحجر وباكورة إنتاج مصر العالمية للإنتاج الدرامي يتحدث عن علاقات المسلمين والمسيحيين ويضيف مشاهد من ثورة يناير، وامتد انعكاس الثورة إلي طبيعة المسلسلات، فمن الملاحظ أن الشاشة الصغيرة استعدت لاستقبال كل الأعمال التي لم تخرج للنور في العام الماضي.. وتم منعها لأسباب سياسية.. ليتأكد أن الثورة فتحت الباب أمام صنَّاع الدراما لعرض أعمالهم دون قيود رقابية.. ولذا تم التنويه بعرض المسلسل الذي أثار جدلا بمنعة من العرض عبر القنوات الأرضية والفضائيات المصرية في رمضان الماضي 'عابد كرمان' زعما أنه مأخوذ عن ملفات المخابرات المصرية دون إجازة بينما الحقيقة أن قرار المنع تم بناء علي ضغط إسرائيلي لأنه يظهر الدور الرائد لبطولة المخابرات المصرية ونجاحها في زرع شخصية عابد كرمان في المجتمع الإسرائيلي وتمكنه من الحصول علي خرائط مكنت مصر من تحقيق النصر في حرب 73 وتحطيم أسطورة إسرائيل بتدمير خط بارليف.. هذا المسلسل مأخوذ عن قصة 'كنت صديقا لديان' للمؤلف ماهر عبد الحميد سيناريو وحوار بشير الديك وإخراج نادر جلال.. وقد تم تصويره في باريس وجنيف وبطولة تيم الحسن وفادية عبد الغني وعبد الرحمن أبوزهرة.. وقد تم الإعلان عن عرضه في عدد من القنوات أو الفضائيات.. وجاء مسلسل 'أنا القدس' الذي يضم نخبة من نجوم الدراما العربية السورية والمصرية والأردنية بوصفه ثاني عمل درامي يفرج عن عرضه بعد الثورة وليشاهده الملايين حيث تدور أحداثه في المدينة المقدسة 'القدس' ما بين عامي 1917 و1967حيث يقدم المؤلف والمخرج باسل الخطيب القدس وكأنها تتكلم عن نفسها من خلال شخوص العمل في إطار وثائقي سياسي قريب من الواقع.. المسلسل تردد أن منعه من العرض تم بناء علي ضغوط أمريكية وبريطانية لأنه يشير بأدلة وثائقية إلي الدور الذي لعبته بريطانيا وأمريكا في تقسيم فلسطين وزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي. المسلسل شارك في بطولته من مصر فاروق الفيشاوي وعمرو محمود ياسين ومن إنتاج جوي للإنتاج الفني وتغني أصالة نصري أغنية المسلسل التي وضع لها الموسيقي الموسيقار العراقي نصير شمة. هذا ومازال حتي الآن لم يُعلن عن إطلاق سراح مسلسل الدالي بطولة نور الشريف للعرض وغيره من المسلسلات التي مُنعت بقرارات سيادية من العرض العام الماضي ليستقبلها رمضان 2011 مؤكدا أن الثورة بدأت بفتح أبواب القنوات بعرض جميع الممنوعات الدرامية لأسباب سياسية.