كنت أعلم، من خلال متابعاتي اليومية، مدى ماوصل إليه بعض طلاب مدارسنا وخريجي جامعاتنا من الجهل بقواعد إملاء اللغة العربية، ولعل ماتعكسه مناقشات مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة «الفيس بوك» هو خير دليل على ما آل إليه حال لغتنا الجميلة من تدهور، لكن أن يخرج وزير التربية والتعليم لينفى الرقم الذى أعلنه مصدر فى وزارته من ان عدد الطلاب الاميين وصل الى ثمانية ملايين طالب، ليؤكد طبقا لتصريحاته فى صحيفة الوطن أن «الرقم غير صحيح بالمرة» وأنهم ستة ملايين فقط.. فتلك مصيبة كبرى. الوزيرالذى يمتلك شجاعة الاعتراف بأبعاد المشكلة، قال إن هناك ثلاثة ملايين طالب لايجيدون القراءة والكتابة فى المرحلة الابتدائية، ومليونين فى المرحلة الإعدادية، ومليون فى المرحلة الثانوية، وانه سيضع خطة عقب انتهاء امتحانات الفصل الدراسي الاول لمحو أمية جميع التلاميذ، هو بالطبع كلام جميل سيضاف إلى سلسلة تصريحات وزارء التربية والتعليم السابقين، والتى بقيت جميعها حبرا ليس على ورق، لانها لم تكتب اصلا، ولكنها مجرد وعود لم نلمس على ارض الواقع ايه بادرة نحو تحقيقها. أمية القراءة والكتابة مشكلة كبيرة، وتؤشر على مدلولات خطيرة، فإذا كنا فشلنا فى تعليم لغتنا الأم لأولادنا، فمابالك بباقى العلوم، وهذا يعنى أن الفشل ليس جزئيا ولكنه يشمل منهج وخطط التعليم بالكامل، فالتعليم ليس مجرد تجارة –كما أراد له بعض المنتفعين_ولكنه مستقبل مجتمع، مرهون بحجم مايحصله ابناؤه من معارف وعلوم تسهم فى تطوره وتحضره. كنا منذ سنوات بعيدة نهتم بالإملاء فى مدارسنا أيما اهتمام، وكان المدرس الذى كان يخلص فى عمله ووظيفته التعليمية لا يتواني عن تصويب الاخطاء مرارا وتكرارا، حتى يتعلم التلاميذ كيف يكتبون وكيف يقرأون، أتذكر أثناء دراستى فى المرحلة الابتدائية وكان معظم معلمينا من خريجي مدارس المعلمين، والتى ألغيت منذ سنوات، كانت الاملاء أساسية فى حصص اللغة العربية وكان المعلم يحاسب على الخطأ فى المد والهمزة ويخصم درجة كاملة من عشر درجات على الخطأ الواحد، وكان يعيد الاملاء مرة أخرى لمن كتبوا أخطاءا كثيرة، ثم يطالبهم بكتابة الاملاء الصحيح ضمن الواجب المدرسي. كان ذلك هو سلوك المدرس الذى لم يتخرج من الجامعة، فمابالك اليوم بمدرسين يفترض أنهم خريجو كليات التربية وكل فى تخصص معين، ولكن كثير منهم للأسف أصبح يتعامل مع مهنته على أنها «سبوبة» وليس رسالة. يحزنني كثيرا ماأراه من أخطاء إملائية فادحة لخريجي جامعات طالعت كتاباتهم مباشرة، ويصدمنى ماأقرأه على حسابات أشخاص يفترض انهم على درجة من العلم على مواقع التواصل الاجتماعي، مع العلم انها ليست غلطة «كيبورد» كما يبرر البعض، ولكنها أخطاء تدل على عدم التفريق مابين الضاد والتاء والثاء والسين والتنوين والفتح.. وهكذا. مصيبتنا فى التعليم فادحة بعد أن تحول إلى حالة ميئوس منها، فلا المدارس تقوم بدورها ولا المعلم يراعي ضميره، ولا الدولة قادرة على التصدى لمافيا الدروس الخصوصية، ولكن أن تنعكس هذه العشوائية على «أمية الكتابة والقراءة» فهذا مايجب التوقف عنده طويلا قبل فوات الأوان..