أذكر ويذكر كل من هم مثلي من جيل الثمانينات ، وغالباً رهنوا أحلامهم بعاداته وطبائعه إلي اليوم ، نذكر جميعاً ذلك المشهد العقيم ، الذي لطالما شق صدور بيوتنا لسنين عجاف ، خلف شاشات التليفزيون الصغيرة ، والتي تطورت وكبُرت ، بينما ظل المشهد نفسه ، بلا جديد ولا مفيد .. جلسات مجلس الشعب وبث تلفزيوني فُرض علينا وقتها ، حيث كانت الخيارات محدودة ، قبل إجتياح الأقمار السماوات والأرض ، وإنتشار الفضائيات في كل عينْ وصوت .. جُبرنا علي المتابعة .. والرتابة والتأفف من مشهد سقيم تقوده مطرقة ، وأيادي مرفوعة بنفس الوتيرة ، كأنها سيمفونية نعم .. تنطقها كل الأفواه ، إلا من رحم ربي ، هكذا علمونا أن السياسة رتابة ، السياسة خضوع ، السياسة في مصرنا تسير في خطٍ واحد ، لا توجد له فروع ، ومضت سنين كبرنا فيها وقناعتنا بمستقبل أفضل علي النقيض كانت فينا تصغر .. وجري ما كان راسخ في وجداننا أنه درب من المحال ، وكانت ثورة للتغيير ، لحقتها ثورة أخري لإنقاذ وطن من زمرة أبواق عندما تتحدث ، تري ملء الأعين شرر الدماء يتطاير منها ، وربما خدش لك عين ، وإذا كانت محظوظاً ، سيقتلع لك رمشاً ويرحل في سلام ! وقاد المشهد شباب يصغروننا في السن ، تربوا علي التنوع ، وسافروا وهم في نفس المكان علي الأنترنت لمدن وحضارات ، لو عاشوا أعماراً في عمرٍ واحد ، ما وصلوها ولو كانت حلم وعابر .. حتي قادوا بإنترنتهم وأدواته المشهد السياسي ، وساندهم الكِبار ، الثوار الحقيقيون ، الذين عاشوا وشهدوا أزمات حقيقة في عقر الوطن نامت وعاشت وماتت ، وظلوا محاربين شكلاً وموضوعاً حتي وقتنا هذا . وعن اليوم .. وبعد إنتهاء الإنتخابات البرلمانية ، وقرب إنعقاد جلسة المجلس الإفتتاحية بنهاية العام الجاري .. وعن بث الجلسات المباشر مستقبلاً ، إلي الآن لم تتضح الرؤيا حول ذلك الأمر ، بالرغم من وجود قناة تسمي " صوت الشعب " مستعدة بكامل طاقاتها ، ولديها من كوادر المحللين والسياسيين ما يكفي لتغطية جلسات البرلمان وما يدور في بهوه ، ومناقشة التشريعات والقوانين التي هو منوط بها في الأساس ، ولكم أتمني أن تذاع هذة الجلسات علي الهواء .. فلدي من الخيبات تجاة تجارب المجلس السابقة ما يجعلني أردد في ذهني كلمة نعم موافقون في حالة هذيان بلا أدني وعي يُذكر ، كتلك الحالة التي عانت منها بلادي فيما مضي .. وإن كانت بلادي تعافت وإقتلعت من جذورها كل داء .. فربما هو وقتنا نحن جيل الثمانينات ، أن نري ولأول مرة صدي صوت حقيقي للشعب داخل برلمان الشعب يردد نعم للحق ، ويردد لا لغير الحق ، بصورة حضارية أنيقة مُبهجة ، لا تشوبها الغرائب ولا نختزلها في بعض السخافات . أتمني أن أري مشاهد لا يبلورها إرتباك المفاهيم ، أتمني أن أسمع صوت إمرأة تتحدث عن قضايا المرأة ، وينظر لها باقي الأعضاء بتقدير وإجلال ، أتمني أن أري شباب جيلي ممن نالوا كرسي في البرلمان ، ينطقون نيابة عني وعن الجميع ، بكل لا إغتالتنا قديماً قبل أن ننطقها ، وينتصرون لنا !{