بنفسية مُحبَطة تناولت الأسبوع الماضي حكاية مصطفى الصاوي )الناجي الصغير( من مَخنقة العلماء في مصر، الذي نَفَذ بجلده وحلمه واختراعه إلى بلاد الشيخ زايد الجميلة، فحصل على جميع التسهيلات والصلاحيات والامتيازات وفوقهم بوسة مطبوعة على جواز سفر إماراتي.. ولم تمر أيام قليلة على فرار مخترع «السد العربي الذكي» من مصر إلا ولحق به أحمد الطماوي مكتشف )نظرية التذكرة( والمالك الحصري في كوكب الأرض والكواكب الشقيقة- حسب زعمه- لفكرة طباعة الإعلانات على تذاكر المترو.. لا أدري كيف وهناك شركات عالمية مثل «تيكت ميديا» الإنجليزية تأسست منذ التسعينيات لأجل هذا الغرض!! ماعلينا.. ورغم إعجابي بكليهما إلا أن الصاوي مخترع قُح لا غش فيه.. أما الطماوي فهو طالب مجتهد خرج بفكرة رائعة )معتقداً( أنه أتى بما لم يستطعه الأوائل، وأصر على ذلك فصدقه الكثيرون ومنهم المهندس هاني ضاحي وزير النقل السابق، حتى اكتشف أحد النحارير وجود بند صريح في عقود توريد التذاكر مع الشركة الفرنسية ينص على أحقية الشركة المصرية لمترو الأنفاق في وضع إعلانات على التذكرة.. وهنا أدرك الشاب الطموح استحالة احتكاره لتنفيذ الفكرة فطار إلى الإمارات ليجد مَن يشتري مِنه )الهوا( المُعبأ في تذاكر!! والحق أن الكل معذور في بلد أقصى ما تعرفه الغالبية من شعبه عن البحث العلمي أن له وزيرًا، ووزارة لا تهتم حتى بتوجيه وإرشاد المبدعين والمخترعين كي لا يضيع عمرهم وجهدهم هباءً منثوراً في مشاريع سبقهم إليها آخرون، فأي اختراع يذهب صاحبه للحصول على براءته وهو لا يدري إن كان قد تم تسجيله من قبل أم لا.. أما الأفكار والمصنفات الفنية فيتم توثيقها مع إثبات تاريخها دون التحقق من مدى جدواها أو نفعها للمجتمع!! ولايزال الفاعل التقليدي في هذه الملهاة الجديدة هو «عويجة أفندي» الذي دفس عقد شركة المترو داخل غياهب الأرشيف منذ عام 1987، ولم يعبأ ببند كان يمكن أن يحقق أرباحاً من شأنها- على الأقل- أن ترحم ميزانية الدولة من خسائر المترو المليارية خلال ما يقرب من ثلاثين عاماً مضت.. بل كان بمقدور تلك الأرباح تغطية النفقات المطلوبة لتحديث الخدمة، وتوسيع نطاقها دون الحاجة لرفع سعرها على المواطن المنهوك.. لكن «عويجة» وسائر خلفائه أبوا أن يتخذوا قرارات ناجزة من هذا النوع خوفاً من الإخفاق.. حتى آخر العنقود في سلالة )عويجة أفندي( لم يكشف عن ذلك البند المكمور إلا مضطراً تحت حصار المخترع المزعوم، علَّ اللجان، والمعاينات، والمقايسات، والمناقصات، تصيب الزبون بالملل فيصرف نظرًا عن الموضوع، وهو ما حدث بالفعل.. الجميع آثروا )الأنامالية( فالمال مال الدولة، والجهاز المركزي للمحاسبات يحاسب فقط على إهداره، ولا يلتفت للممتنعين عن تعظيمه واستثماره.. لذا فلا عجب أن نرى عَداد الفارين يتسارع كلما زاد الإهمال والروتين وارتعاش المسئولين.. [email protected]