راح يجهز حقيبة سفره.. لم يكن الوقت يسمح له بالبقاء أكثر من هذا، فقد صدر قرار حاسم من القيادة، يطالبه بترك الجبهة والعودة للديار فورا.. وضع في حقيبته الخاصة خطط العمليات، وكشوف بأسماء القيادات والعناصر المساعدة، والمعلومات المتاحة عن الخصوم والأعداء.. كان يسترجع في الوقت نفسه حصيلة ما تم، خلال مسيرته العسكرية- الأمنية.. راح شريط الذكريات يتوارد، فهو كما يشهد الجميع صاحب انجازات مهمة، لم يترك خلالها سلاحه، بل ظل يقدم كل ما في وسعه لخدمة الأمن القومي. وصل لقناعة مفادها أن خصومه في الأجهزة العسكرية والأمنية انتصروا عليه في هذه الجولة.. قربهم من مركز صناعة القرار منحهم ميزة تفضيلية.. جعل كلامهم مسموعا.. عقد العزم علي أن يرد لهم الصاع صاعين عقب الانتهاء من تسليم مهامه الحالية 'التنسيقية- الإشرافية'، علي العمليات الجارية في الجبهة. لم يصل به الخيال إلي أن خصومه لن يكتفوا بالإطاحة به من منصبه، بل وإنهاء حياته أيضا، حتي يأخذ كل أسراره العامة والخاصة إلي قبره، ومن ثم يقطعون عليه طريق العودة مجددا إلي واجهة المشهد الأمني والعسكري، خاصة أنهم يعرفون قوته وبأسه وذكاءه اللامحدود، الذي جعله 'المستشار الأعلي لقوات الحرس الثوري' الإيراني، المسئول السابق عن عمليات استخبارات الحرس في الخارج. تم الإعلان عن مصرع الجنرال حسين همداني، مع مسحة سينمائية، تضفي المزيد من الغموض علي ملف غامض بطبعه.. أعلنت طهران أنه سقط صريعا في مدينة حلب السورية، في عملية نفذها تنظيم داعش. مقتل 'همداني' يثير الجدل والشكوك في آن واحد.. هو ليس شخصا عاديا، حيث لا يقل أهمية عن شريكه 'قاسم سليماني' قائد فيلق القدس، المسئول عن عمليات إيران في الشرق الأوسط. أصابع الاتهام تشير علي الفور ل'المستفيد'.. صراعات النفوذ الإيرانية الداخلية ليست خافية.. قبل مصرعه بأيام، راح 'همداني' ينتقد ما يجري في طهران.. بدأ يشكو من سيطرة مراكز قوي علي صناعة القرار.. في المقابل، بادرت ديناصورات الحرس الثوري بفضحه.. اتهموا 'همداني' بالفشل في إدارة العمليات العسكرية في سوريا. تم عزل 'همداني' من منصبه بضغوط مباشرة من رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري، حسين طائب.. عينوه في منصب هامشي في هيئة الأركان الإيرانية.. مجرد مسئول عن إرسال المعدات اللوجستية إلي سوريا، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة للحفاظ علي ما هو أخطر.