سنوات من التهديد بالتصعيد بين الغرب وإيران، انخفضت تلك اللهجة الحادة وهدأ التوتر مع تبادل المراسلات السرية بينهم وقرروا الجلوس علي مائدة المفاوضات للوصول إلي حل دبلوماسي والتخفيض التدريجي للعقوبات الاقتصادية والسياسية ضد طهران. فالغرب بزعامة الولاياتالمتحدة «الشيطان الأكبر» كما وصفها آية الله الخميني، و«محور الشر» إيران كما يراها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، يحتاج كل منهما للآخر لتحقيق أطماعه ومكاسبه السياسية.. فالمصالح تلاقت والمساومة قائمة والتهديد مستمر طالما هناك أوراق ضغط يمتلكها كلا الطرفين. بعيداً عن نتائج المحادثات بين إيران والقوي الست حول برنامجها النووي التي انعقدت يوم الاثنين الماضي في العاصمة النمساوية فيينا، والتي وصفها المجتمع الدولي بمثابة الفرصة الأخيرة للنظام الفارسي للتوصل لاتفاق نهائي بشأن هذا الملف، ركزت وسائل الإعلام الأمريكية علي تصريحات بعض الزعماء المتشددين في الجمهورية الإسلامية وخطابهم التصعيدي المناهض للولايات المتحدة؛ خاصة تلك التي صدرت من "مهدي طائب"، رجل الدين المتشدد والمسؤول عن وحدة الحرب الافتراضية في الحرس الثوري الإيراني، حيث قام موقع "واشنطن فري بيكون" الإخباري بترجمة مقتطفات من تصريحاته وأبرز في صدارة العناوين تهديد "طائب" بأن النظام الإيراني قادر علي القيام ب"عمليات انتحارية" الآن وفي المستقبل، كما حدث بالماضي "لإرسال رسالة إلي العالم"، فتلك العمليات أداة رئيسية في الحرب الإيرانية ضد الغرب. وأضاف قائلا إنه لا يوجد ما يهددهم، خاصة أن عملية تخصيب اليورانيوم لم تعد العقبة الرئيسية لطهران في أي محادثات، علي حد وصفه. ويعد طائب، رئيس "مركز عمّار الإستراتيجي" لمكافحة الحرب الناعمة ضد إيران، من أكثر الأتباع المخلصين للمرشد الأعلي الإيراني "علي خامنئي"، ويعرف بتنفيذه لعمليات إرهابية في جميع أنحاء العالم. كما أن شقيقه حسين طائب، رئيس وحدة الاستخبارات في الحرس الثوري، من أهم منظري الخطط الأمنية في مكتب المرشد، برز اسمه بشكل كبير خلال دوره في قمع الحركة الإصلاحية والاحتجاجات السلمية التي اندلعت عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في يونيو 2009. وقام خامنئي بتشكيل أجهزة أمنية واستخباراتية عديدة، منها المعلن ومنها الخفي؛ ولم يجد خامنئي غير طائب ليكون الشخصية الرئيسية التي ألقي علي عاتقها التنسيق بين هذه الدوائر المخابراتية والأجهزة الأمنية. كما أعلن حسين طائب العام الماضي، أن إيران عليها مسؤولية دعم حكومة الأسد وعدم السماح بكسر خط المقاومة. ووفقاً للموقع ورؤي المحللين فإن تاريخ العلاقة بين واشنطنوطهران منذ الإطاحه بحكم الشاه، أكبر حليف لواشنطن في المنطقة، مليئة بالأزمات والتوترات، تتراوح فصولها من أزمة الرهائن، مروراً بحروب الخليج، وانتهاء بأزمة الملف النووي الإيراني. فالحرب الباردة مشتعلة دائما بين القوي العظمي والنظام الثوري، عن طريق العمليات الانتحارية التي يستخدمها كل منهما لضرب الآخر. فمنذ ثمانينيات القرن الماضي اعتبر الغرب إيران بمثابة خطر إقليمي، ولم يكن علي واشنطن وحلفائها أن يخوضوا صراعاً مباشراً معها، ثم تحول هذا الخطر إلي تهديد لطفلهم المدلل إسرائيل؛ خاصة مع اكتشاف قيام طهران بعمليات تخصيب اليورانيوم. كما لجأ نظام الجمهورية الإسلامية إلي إثارة المشاكل بين الحلفاء الأوروبيين والأمريكيين لصالحها. وخلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1983، قام النظام الإيراني من خلال حلفائه ووكلائه، وعلي رأسهم حزب الله، باستهداف الوجود العسكري الأمريكي في لبنان، عن طريق تفجير مقر المارينز في بيروت مما أودي بحياة أكثر من مائتي جندي أمريكي. هذا بجانب سلسلة عمليات "الرهائن مقابل السلاح"، أبرزهم العملية المعروفة باسم "إيران كونترا" عام 1986 التي عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان اتفاقاً لتزويدها بالأسلحة بسبب حاجة طهران للأسلحة أثناء حربها مع العراق، مقابل إطلاق سراح بعض الرهائن الأمريكيين الذين كانوا محتجزين في لبنان. واتهمت إيران مؤخراً الإدارة الأمريكية بتقديم الدعم لتنظيم داعش، من خلال إمدادات عسكرية وغذائية خلال غارات جوية علي سورياوالعراق، بحسب تصريحات "حسين همداني" نائب قائد مقر الإمام الحسين في الحرس الثوري الإيراني. فيما كشف تقرير استخباراتي عن الطريقة التي تتبعها إيران لتمويل جماعات مسلحة تتبع الحرس الثوري الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. وذكر التقرير المكون من 7 صفحات، الذي نشرته وكالة رويترز للأنباء؛ أن طهران تستخدم بنك "كونلون" الصيني لتحويل أموال لشركة لها صلة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري. وأوضح التقرير أنه بالإضافة إلي العمليات التي يقوم بها فيلق القدس فإنه أيضاً يقدم السلاح والمساعدات والتدريب للجماعات المسلحة المؤيدة لإيران، مثل حزب الله وحماس والفصائل الشيعية في المنطقة. وكانت الولاياتالمتحدة اعتبرت فيلق القدس منظمة مؤيدة للإرهاب في عام 2007. وليس واضحاً علي وجه الدقة حجم الأموال التي تلقاها فيلق القدس عبر هذا البنك التابع لشركة الصين الوطنية للبترول. لكن التقرير قال إن المبالغ المحولة من البنك المركزي الإيراني إلي كونلون خلال العام الأخير بلغت مئات الملايين من الدولارات. وعلي الرغم كل هذا التوتر إلا أن الأمور بدأت تتجه نحو أسلوب السياسة الناعمة، فقط عندما تلاقت المصالح؛ التي تتضمن أطماع ومشروع توسعي للجمهورية الفارسية، وطموحات الغرب في إنهاك دول الشرق الأوسط لنهب خيراته. فالنظام الإيراني يستخدم المشروع النووي كورقة ضغط وعامل قوة لتحقيق مصالحها بالمنطقة والخليج خاصة بالعراقوسوريا. ما دامت ملفات المنطقة لا تزال مفتوحة، بل وتزداد تعقيداً، من صميم مصلحة إيران استمرار التفاوض حول الملف النووي لأنه يمثل ورقة ضغط كبري تساعدها علي تحقيق أهدافها ومصالحها وترسيخ نفوذها. فيما تبحث واشنطن لنفسها عن مخرج في المنطقة بعيداً عن مواجهة مسلحة، وهي تريد أن تضطلع إيران بالدور الرئيسي في المواجهة مع داعش. وهذا ما أكدته الرسالة السرية التي بعث بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، للمرشد الأعلي الإيراني، الشهر الماضي، وكشفت عنها فحواها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية؛ فالرسالة بدت موجهة لدعم الحملة ضد "داعش" من جهة، ومن جهة أخري لجذب خامنئي إلي نقطة أقرب بما يتعلق بالصفقة النووية. وتعد هذه الرسالة المرة الرابعة التي يكتب فيها أوباما إلي الزعيم السياسي في إيران، منذ توليه منصبه في عام 2009، وتعهده بالتعامل مع الحكومة الإسلامية في طهران. وأطلقت إدارة أوباما محادثات سرية مع إيران في العاصمة العمانية مسقط في منتصف عام 2012، ولكن لم يتم إخبار حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط عن هذه القناة الدبلوماسية السرية حتي أواخر عام 2013. كما كان هناك محاولة لتهدئة مخاوف إيران حول مستقبل حليفها الوثيق الرئيس السوري بشار الأسد، رغم ما أكدته تصريحات أوباما التالية لشبكة "سي إن إن" من أن إزاحة الأسد ربما تكون ضرورية لهزيمة الدولة الإسلامية.